السبت، 26 أغسطس 2023

أم معبد الخزاعية تصف لنا رسول الله كأننا نراه -قصة الهجرة الحلقة الخامسة-

وصف الرسول كأنك تراه 

 قِصَّةُ أُمِّ مَعْبَدٍ الخُزَاعِيَّةُ:

أَكْمَلَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- طَرِيقَهُ إِلَى المَدِينَةِ وَمَعَهُ صَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه- وَعَامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه-، وَالدَّلِيلُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُرَيْقِطٍ، وَفِي الطَّرِيقِ مَرُّوا عَلَى خَيْمَةِ أَمٍّ مَعْبَدٍ الخُزَاعِيَّةِ،

 وَكَانَ مَنْزِلُهَا بِقُدَيْدٍ (مكان بين مكة والمدينة)، وَكَانَتْ امْرَأَةً كهلة ولكنها قوية في نفسها وجسمها تحدث من مَرَّ بها من الناس وكانت تجلس  بِفِنَاءِ الخَيْمَةِ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ مَنْ مَرَّ بِهَا، 

فَسَأَلَاهَا: لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوا مِنْهَا، فَلَمْ يَجْدُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ قومها قد نفد زادهم وأصابهم الجَدْبُ والقحط، 

فنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى شَاةٍ فِي جَانِبِ الخَيْمَةِ، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ "، قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الجَهْدُ عَنِ الغَنَمِ (أي أنها ضعيفة لا تقوى على الخروج للرعي مع باقي الغنم)، 

قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ "، قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَتأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلِبَهَا؟ "، قَالَتْ: إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلَبًا، فَاحْلِبْهَا،

 فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، وطلب رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم إناء- فَحَلَبَ فِيهِ لَبَنًا سَائِلًا كثِيرًا.  حَتَّى امتلأ ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوُوا، وَشَرِبَ آخِرَهُمْ حَتَّى ارتووا جميعا، ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ ثَانِيَةً حَتَّى مَلأَ الإِنَاءَ، ثُمَّ تركه عِنْدَهَا، وَارْتَحَلُوا عَنْهَا.

وبعد قليل جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ، يَسُوقُ أَعْنُزًا هزيلة تتمايل من ضعفها،  فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ وَالمرعى بعيد، وَلَا حَلُوبَ فِي البَيْتِ؟

قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، فَقَالَتْ:

 رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهِرَ الوَضَاءَةِ (هي الحُسن والبهجة) أبلَجَ الوجهِ (أي مُشرِقَ الوجه)،لم تَعِبه نُحلَة (أي نُحول الجسم) ولم تُزرِ به صُقلَة (أنه ليس بِناحِلٍ ولا سمين)،

وسيمٌ قسيم (أي حسن وضيء)، في عينيه دَعَج (شدَّة سوادِ العينِ في شِدَّةِ بياضها)، وفي أشفاره وَطَف (طويل شعر العين)، 

وفي صوته صحَل (بحَّة و حُسن)، و في عنقه سَطع (طول)،

وفي لحيته كثاثة (كثرة شعر)، أزَجُّ أقرَن (حاجباه طويلان و مقوَّسان و مُتَّصِلان)، 

إن صَمَتَ فعليه الوقار، و إن تَكلم سما و علاهُ البهاء،  أجمل الناس و أبهاهم من بعيد، وأجلاهم و أحسنهم من قريب، 

حلوُ المنطق أي حلو الكلام، فصل لا نذْر ولا هذَر (كلامه واضح وظاهربَيِّن وسط ليس بالقليل ولا بالكثير)،

 كأنَّ منطقه خرزات نظم يتحَدَّرن (أي كلامه متصل ومتناسق كأنه درر متتابعة)، رَبعة (ليس بالطويل البائن ولا بالقصير)، لا يأس من طول، ولا تقتَحِمُه عين من قِصر، غُصن بين غصين، فهو أنضَرُ الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قَدرًا، (النَّضَارَةُ: هي حُسن الوجه، والبريق)

لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ (يحيطون به) بِهِ، إِنْ قَالَ سَمِعُوا لِقَوْلهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ (يَخْدِمه أصحابه ويُعظمونه ويُسرعُون في طاعته)، لَا عَابِسَ (العابس هو مُقَطِّب الوجه)، وَلَا مُفَنِّدَ (المفند هوالذي لا فائدةَ من كلامه لكِبْرٍ أصَابه).

فَقَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: هَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلَأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا.

صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله 

نكمل معا في الحلقة القادمة إن شاء طريق الهجرة والوصول إلى قباء ودخول المدينة تابعونا بارك الله فيكم 




الأحد، 6 أغسطس 2023

أحداث في الطريق إلى المدينة -قصة الهجرة الحلقة الرابعة-

*في الطريق إلى المدينة 


لما هدأ بحث قريش عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مرور ثلاث ليال في الغار خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر وكان معهما عامر بن فهيرة ودَلِيلُهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُرَيْقِطٍ،وسلك بهما طريقا غير مألوف فقد سار باتجاه الجنوب نحو اليمن، ثم اتجه غربًا نحو الساحل، وبعدها اتجه شمالًا على مقربة من شاطئ البحر الأحمر، وسلك طريقًا لم يكن يسلكه أحد إلا نادرًا.

يقول أبو بكر الصديق :"أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة "أي دخل وقت الظهر وانتصف النهار" وخلا الطريق، لا يمر فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة"أي ظهرت لهم الصخرة من بعيد"، لها ظل لم تأت عليها الشمس، فنزلنا عنده، وسويت للنبي صلى الله عليه وسلم مكانًا بيدى، ينام عليه، وبسطت عليه فروة، وقلت : نم يا رسول الله، وأنا أنفض لك ما حولك، فنام، وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصخرة، يريد الاستظلال بها، فَسَأَلْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: فَهَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ. . فأخذ شاة، فقلت : انفض الضرع من التراب والشعر، فحلب في قعب "إناء كبير" كُثْبة أي قليل من لبن، ومعى إداوة "إناء صغير مخصص للماء" حملتها للنبي صلى الله عليه وسلم، يرتوى منها، يشرب ويتوضأ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكرهت أن أوقظه، فوافقته حين استيقظ، فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله، فقلت : اشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت، ثم قال : ( ألم يأن للرحيل ؟ ) قلت : بلى، قال : فارتحلنا.

قصة سراقة بن مالك -رضي الله عنه-:

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُرَاقَةَ بنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً ( أي أشْخَاصًا) بِالسَّاحِلِ أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ (قال سراقة ذلك لأنه أَرَادَ الجائِزَةَ لنفسه، وهي مائة نَاقَة)، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقُوا يَبْتَغُونَ ضَالَّةً لَهُمْ. فَقَالَ الرَّجُلُ: لَعَلَّ، وَسَكَتَ.

قَالَ سُرَاقَةُ: ثُمَّ لَبِثْتُ فِي المَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تُخْرِجَ لِي فَرَسِي، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ أَتْبَعُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَصَاحِبَهُ أَبَا بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-. قَالَ سُرَاقَةُ: فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُمْ حَيْثُ يُسْمِعُهُمُ الصَّوْتُ، عَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَوقعت عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا، أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا؟ "الأزلام هي سهام صغيرة كان أهل الجاهلية يكتبون على بعضها افعل، وعلى بعضها لا تفعل ويضعونها في كيس، فإذا أراد المرء حاجة أدخل يده في الكيس لإخراج واحد منها فإذا وجد المكتوب عليها «افعل» مضى في حاجته، وإذا وجد العكس لم يمض في حاجته".. فَخَرَجَ الذِي أَكْرَهُ: أَنْ لَا أَضُرَّهُمْ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ، حَتَّى إِذَا اقتربت مِنْهُمْ، عَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ، وَرَكِبْتُ فَرَسِي، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُمْ، وَسَمِعْتُ قِرَاءَةً رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا، فَقَال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا".

حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَدْرَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا، وَبَكَى، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لِمَ تَبْكِي؟ ".
قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ.
فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى سُرَاقَةَ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ".

قَالَ سُرَاقَةُ: فَغاصت يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغتا الرُّكْبَتَيْنِ،فَنزلت عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرتُهَا، فنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا وقفت وجدت بين يَدَيْهَا مثل دخان سَاطِعٌ فِي السَّمَاءَ.

قَالَ سُرَاقَةُ: فنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ (في رواية أخرى قال سُراقة: إني أراكما قد دَعَوْتُمَا عليَّ، فادعوا لي، ولكما أن أرد عنكما الطلَبَ وأكتم الخبر، فدعا له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنَجَا)، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ رأيت منعي عنهم أَنه سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ"المائة ناقة"، وَأَخْبَرتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الزَّادَ والمتاع  فلم يأخُذَا مني شيئًا.

قَالَ سُرَاقَةُ: فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمَانٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بنَ فُهَيْرَةَ فكَتَبَ لِي فِي رُقْعَةٍ مِنْ جلد بَيْضَاءَ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

فَجَعَلَ سُرَاقَةُ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ عن طريق رسول الله، فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ حارسا لَهُ.

في الحلقة القادمة موعدنا مع  أُمِّ مَعْبَدٍ الخُزَاعِيَّةُ التي وصفت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأننا نراه تابعونا بارك الله فيكم.


الجمعة، 21 يوليو 2023

رسول الله وأبو بكر في غار ثور -قصة الهجرة الحلقة الثالثة -

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة حزينا ولكن الله سبحانه وتعالى بشَّره بِأنَّهُ سَيُرْجِعُهُ إِلَى مَكَّةَ مُنْتَصِرًا، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (سورة القصص).

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}، قَالَ: إِلَى مَكَّةَ.

* إِذْ هُمَا فِي الغَارِ:
لما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر إلى غار ثور قال أبو بكر مكانك يا رسول الله حتى أستَبْرِي "أي يختَبِرَ الغار وينظُرَهل فيهِ أحدٌ أو شيءٌ يُؤْذِي". فَدَخَلَ فَاسْتَبْرَى، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فنَزَلَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي الغَارِ ومكثا فيه ثلاث ليال 



وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه- يَبِيتُ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ذكي فطن ويرجع قبل الفجر، فيصْبِحُ مَع قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كأنه بات فيها، فيسمع من قريش ويعرف ما يخططون له ويذهب حين يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ إلى النبي وأبي بكر في الغار ليخبرهما ما سمع.

 * دَوْرُ عَامِرِ بنِ فُهَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه-:
كان عَامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- مَوْلَى "خادم" أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يرعى غنم فيه لبن فيأتي إليهما في الغار فيسقيهما ويرجع إلى مكة على آثار عبد الله بن أبي بكر ليخفيها.

* دَوْرُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
وَكَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَأْتيهِمَا بِالطَّعَامِ. تقول أسماء رضي الله عنها أنها صنعت طعاما للنبي وأبي بكروهما في الغار ولم تجد ما تربطه به وتخفيه إلا نطاقها وهو ما تَشُدُّ به المرأةُ وَسْطها ليَرْتَفِعَ به ثَوْبُهَا من الأرض عند العمل فشقته فسميت لذلك ذات النطاقين 

فَنَرى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- سَخَّرَ كُلَّ مَا يَمْلِكُ مِنْ أَهْلٍ، وَمِنْ مَالٍ، وَمَوْلًى عَلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي هِجْرَتِهِ إِلَى المَدِينَةِ، فَأَيُّ فَضْلٍ هَذَا، وَأَيُّ شَرَفٍ هَذَا الذِي حَازَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه-.

أما قريش فبعد أن أصبحوا وفاقوا من صدمتهم وعلموا أن رسول الله قد خرج من بينهم وجعل التراب على رؤوسهم جن جنونهم وَصَارُوا يَهِيمُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ طَلَبًا لَهُ، وَجَعَلُوا لِمَنْ يَأْتِي بِالنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَصَاحِبِهِ مُكَافَأَةً ضَخْمَةً قَدْرُهَا مِائَةُ نَاقَةٍ (وهي ثروة عظيمة) لِمَنْ يَأْتِي بِهِمَا إِلَى قُرَيْشٍ حَيَّيْنِ أَوْ مَيْتَيْنِ.

* أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ يَلْطِمُ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
تقول أَسْمَاءُ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-، أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ ابنُ هِشَامٍ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوكِ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ؟قَالَتْ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي أَيْنَ أَبِي، فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ يَدَهُ، وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا، فَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً طَرَحَ مِنْهَا قُرْطِي (حلق الأذن)، قَالَتْ: ثُمَّ انْصَرَفُوا.

* لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا:
عِنْدَ ذَلِكَ رَكِبَ الفُرْسَانُ وَمتتبعي الأَثَرِ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَانْتَشَرُوا فِي الجِبَالِ وَالوُدْيَانِ يَبحثون عنهما حَتَّى وصلوا إِلَى الجَبَلِ الذِي فِيهِ الغَارُ، وَصَعَدُوا الجَبَلَ، وَوَصَلُوا إِلَى مدخل الغَارِ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ العُثُورِ عَلَى الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَصَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى تَحْتِ قَدَمَيْهِ.

وَكَانَتْ لحظة عصيبة جدا وحاسمة في تاريخ الدعوة
يقول أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا أَبا بَكْرٍ! مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا".

وقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا".

وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَفِي هَذَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة التوبة).

فَلَمَّا انْتَهَى هَؤُلَاءَ الكُفَّارُ إِلَى بَابِ الغَارِ، قَالُوا: هَاهُنَا انْقَطَعَ الأَثَرُ، وَاخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الأَمْرُ، فَلَمَّا رَأَوْا نَسْجَ العَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِ الغَارِ قَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا أَحَدٌ لَمْ يَكُنْ نَسْجُ العَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ فَانْصَرَفُوا.قِصَّة نسج العنكبوت على فَمِ الغار أخرجها: الإمام أحمد في مسنده)، 

 كَانَتْ مُعْجِزَةً، أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا نَبِيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَتَتَجَلَّى هَذِهِ المُعْجِزَةُ فِي أَنَّ هَؤُلَاءَ الكُفَّارِ لَمْ يَتَكَلَّفْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَنْظُرَ دَاخِلَ الغَارِ، وَإِنَّمَا وَقَفُوا عَلَى بَابِ الغَارِ، فَلَمَّا رَأَوْا نَسْجَ العَنْكَبُوتِ، قَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ العَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا.

* مُغَادَرَةُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَصَاحِبِهِ الغَارَ:
أَقَامَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه- فِي الغَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، حَتَّى إِذَا هدأ بحث قريش عنهما جَاءَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُرَيْقِطٍ بِالرَّاحِلَتَيْنِ، فَارْتَحَلَا، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ يَخْدِمُهُمَا.

نكمل معا في الحلقة القادمة طريق الهجرة وما حدث فيه تابعونا بارك الله فيكم 

الثلاثاء، 18 يوليو 2023

حصار المشركين لبيت رسول الله ليقتلوه ليلة الهجرة -قصة الهجرة الحلقة الثانية -

نتابع استعداد رسول الله صلى الله عليه وسلم للهجرة المباركة  



كَانَتْ قُرَيْشٌ رُغْمَ عَدَائِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَظِيمَةَ الثِّقَةِ بِأَمَانَتِهِ، وَصِدْقِهِ، وَفتوته، فَلَيْسَ بِمَكَّةَ أَحَدٌ عِنْدَهُ شَيْءٌ ثمين يَخْشَى عَلَيْهِ إِلَّا وَضَعَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لثِقَتِهِ بِهِ، فَكَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الشَّيْءُ الكَثِيرُ مِنْ هَذِهِ الوَدَائِعِ، فَأَمَرَ عَلِيًّا -رضي اللَّه عنه- بِأَنْ يَتَخَلَّفَ بِمَكَّةَ حَتَّى يَؤَدِّيَهَا عَنْهُ.

وَصَدَقَ اللَّهُ العَظِيمُ إِذْ يَقُولُ: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (سورة الأنعام).


* حصار المُشْرِكِينَ لمَنْزِل الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-:

رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى مَنْزِله يَنْتَظِرُ مَجِيءَ اللَّيْلِ، وَهُوَ عَلَى عِلْمٍ بِمَا اتفقت عليه قُرَيْشٌ مِنَ المَكْرِ، وكان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينام في أوائل الليل بعد صلاة العشاء، ويخرج بعد نصف الليل إلى المسجد الحرام، يصلي فيه قيام الليل، فأمر عليًا رضي الله عنه تلك الليلة أن ينام في فراشه، ويتغطى ببرده الحضرمي الأخضر، وأخبره أنه لا يصيبه مكروه منهم .

فَلَمَّا حل الليل اجْتَمَعَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَلَى بَابِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يراقبونه لينفذوا خطتهم وَهُمْ: أَبُو جَهْلِ بنُ هِشَامٍ - الحَكَمُ بنُ أَبِي العَاصِ - عُقْبَةُ بنُ أَبِي مُعَيْطٍ - أُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ - زَمْعَةُ بنُ الأَسْوَدِ - طُعَيْمَةُ بنُ عَدِيٍّ - أَبُو لَهَبٍ - أُبَيُّ بنُ خَلَفٍ - نُبَيْهُ بنُ الحَجَّاجِ.

وَكَانُوا عَلَى ثِقَةٍ وَيَقِينٍ جَازِمٍ مِنْ نَجَاحِ هَذِهِ المُؤَامَرَةِ ، حَتَّى وَقَفَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ وَقْفَةَ الخُيَلَاءِ، وَقَالَ: مُخَاطِبًا لِأَصْحَابِهِ المُطَوِّقِينَ فِي سُخْرِيَةٍ وَاسْتِهْزَاءٍ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّكُمْ إِنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ، كُنْتُمْ مُلُوكَ العَرَبِ وَالعَجَمِ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، فَجُعِلَتْ لَكُمْ جِنَانٌ كَجِنَانِ الأُرْدُنِ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ لَهُ فِيكُمْ ذَبْحٌ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، ثُمَّ جُعِلَتْ لَكُمْ نَارٌ تُحْرَقُونَ فِيهَا.

يقول الله تعالى:{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } (سورة الأنفال)


* خُرُوجُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ بَيْتِهِ إِلَى بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ:

وَمَعَ غَايَةِ اسْتِعْدَادِ قُرَيْشٍ لِتَنْفِيذِ خُطَّتِهِمْ، وَإِذَا بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَخْرُجُ، وَيَخْتَرِقُ صُفُوفَهُمْ، وَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ أَبْصَارَهُمْ عَنْهُ فَلَا يَرَوْنَهُ، وَأَخَذَ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ فَجَعَلَ يَنْثُرُهُ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَهُوَ يَتْلُو قَولَهُ تَعَالَى: 

{يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} (سورة يس).


حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ هَؤُلَاءِ الآيَاتِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، مَضَى إِلَى بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه-.

وبقى المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر، وبينما هو كذلك إذ جاءهم رجل ممن لم يكن معهم، ورآهم ببابه فقال : ما تنتظرون ؟ قالوا : محمدًا . قال : خبتم وخسرتم، قد والله مر بكم، ونثر على رءوسكم التراب، وانطلق لحاجته، قالوا : والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم .

ولكنهم تطلعوا من فتحة بالباب فرأوا عليًا، فقالوا : والله إن هذا لمحمد نائمًا، عليه برده، فظلوا في أماكنهم حتى أصبحوا . وقام علىٌّ عن الفراش، فسُقط في أيديهم، وسألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : لا علم لي به .


* خُرُوجُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبِي بَكْرٍ إِلَى غَارِ ثَوْرٍ:

غَادَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَنْزِلَهُ إِلَى مَنْزِلِ أَبِي بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- يَتَرَقَّبُ وُصُولَ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ بَعْدَ أَنْ اتَّفَقَا عَلَى الصُّحْبَةِ فِي الهِجْرَةِ.

فَلَمَّا وَصَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه-، وَإِلَّا أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- قَدْ أَعَدَّ لِلسَّفَرِ عُدَّتَهُ.

فخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- مِنْ خَوْخَةٍ (باب صغير) لِأَبِي بَكْرٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ حَتَّى لَا يَرَاهُمَا أَحَدٌ، وَسَلَكَا طَرِيقًا مختلفا ، فَبَدَلًا مِنْ أَنْ يَسِيرَا نَحْوَ الشِّمَالِ ذَهَبَا إِلَى الجَنُوبِ حَيْثُ يُوجَدُ غَارُ ثَوْرٍ، وَهُوَ جَبَلٌ وعر كثير الصخور وَفِيهِ الغَارُ، اخْتَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِيَأْوِي إِلَيْهِ لِتَضْلِيلِ المُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ قُرَيْشًا ستبحث عنه في كل مكان، وَأَنَّ الطَّرِيقَ الذِي سَتَتَّجِهُ إِلَيْهِ الأَنْظَارُ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ هُوَ طَرِيقُ المَدِينَةِ الرَّئِيسِيُّ المُتَّجِهُ شَمَالًا، فَقَدْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الذِي يُضَادُّهُ تَمَامًا، وَهُوَ الطَّرِيقُ الوَاقِعُ جَنُوبَ مَكَّةَ .


* آخِرُ نَظْرَةٍ لِمَكَّةَ:

وَلَمَّا خَرَجَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- منْ مَكَّةَ أَخَذَ يَنْظُرُ إِلَى مَكَّةَ نَظْرَةَ الوَدَاعِ، وَهُوَ يَقُولُ: "وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ".


في الحلقة القادمة إن شاء الله نتابع معا ما حدث في غار ثور وفي طريق الهجرة 

تابعونا بارك الله فيكم 

الجمعة، 30 يونيو 2023

قصة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الحلقة الأولى

هجرة النبي صلى الله عليه وسلم 

الحلقة الأولى: 

انْتِظَارُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الإِذْنَ لَهُ بِالهِجْرَةِ:

 لَمْ يَمْضِ شَهْرَانِ أَوْ أَكْثَرُ عَلَى بَيْعَةِ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَوْ مَفْتُون مَحْبُوسٌ، أَوْ مَرِيضٌ، أَوْ ضَعِيفٌ عَنِ الخُرُوجِ.

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- كَثِيرًا مَا يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ فِي الهِجْرَةِ، فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تَعْجَلْ لَعَلَّ اللَّهَ يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا"، فَيَطْمَعُ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَكُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- هُوَ الصَّاحِبُ. 

* اجْتِمَاعُ قُرَيْشٍ فِي دَارِ النَّدْوَةِ واتفاقهم عَلَى قَتْلِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-:

وَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ صَارَ لَهُ أتباع وأنصار وَأَصْحَابٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ بَلَدِهِمْ، وَرَأَوْا خُرُوجَ أَصْحَابِهِ مِنَ المُهَاجِرِينَ بِأطفالهم وَنِسَاءِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ، عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ نَزَلُوا دَارًا، وأصبحت لهم مَنَعَةً، لِأَنَّ الأَنْصَارَ قَوْمٌ أَهْلُ سلاح وَبَأْسٍ، فَشَعَرُوا بِخُطُورَةِ الأَمْرِ، وَخَافُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَيْهِمْ، وَأَنْ يَجْمَعَ لِحَرْبِهِمْ، فَاجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ -وَهِيَ دَارُ قُصَيِّ بنِ كِلَابٍ التِي كَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تَقْضِي أَمْرًا إِلَّا فِيهَا- يَتَشَاوَرُونَ فِيهَا مَا يَصْنَعُونَ فِي أَمْرِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَسُمِّيَ ذَلِكَ اليَوْمُ الذِي اجتمعوا فيه  "يَوْمَ الزَّحْمَةِ" وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ هَذَا الِاجْتِمَاعِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالعَقْلِ فِيهِمْ، ومنهم:

أَبُو جَهْلِ بنِ هِشَامٍ وعُتْبَةُ وَشَيبةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَأَبُو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ وطُعَيْمَةُ بنُ عَدِيٍّ وَجُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ  وَالحَارِثُ بنُ عَامِرٍوالنَّضْرُ بنُ الحَارِثِ وأمّيَّةُ بنُ خَلَفٍ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا يُعَدُّ مِنْ قُرَيْشٍ.

وفي ذلك اليوم اعْترَضَهُمْ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ، فِي هَيْئَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ أي مُسن  فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ وَاقِفًا عَلَى بَابِهَا، قَالُوا: مَنِ الشَّيْخُ؟

قَالَ: شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ  سَمِعَ بِالذِي اجتمعتم لَهُ، فَحَضَرَ مَعَكُمْ لِيَسْمَعَ مَا تَقُولُونَ، وَعَسَى أن تأخذوا مِنْهُ رَأْيًا وَنُصْحًا، قَالُوا: أَجَل، فَادْخُلْ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ لَعَنَهُ اللَّهُ.

فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ -أَيْ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا، فتَشَاوَرُوا، ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ أَبُو البَخْتَرِيِّ بنُ هِشَامٍ: احْبِسُوهُ فِي الحَدِيدِ، وَأَغْلِقُوا عَلَيْهِ بَابًا، ثُمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ مَا أَصَابَ أَشْبَاهَهُ مِنَ الشُّعَرَاءَ، الذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ، زُهَيْرًا وَالنَّابِغَةَ، وَمَنْ مَضَى مِنْهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُ المَوْتُ.

فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ وَهُوَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ: لَا وَاللَّهِ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، وَاللَّهِ لَئِنْ حبَسْتُمُوهُ كَمَا تَقُولُونَ لَيَخْرُجَنَّ أَمْرُهُ مِنْ وَرَاءَ البَابِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَلَأَوْشَكُوا أَنْ يثبوا عَلَيْكُمْ، فَيَنتزِعُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ ويَغْلِبُوكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، فَانْظُرُوا فِي غَيْرِهِ.

ثُمَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: نُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فنَنْفِيْهِ مِنْ بِلَادِنَا، فَإِذَا أُخْرِجَ عَنَّا فَوَاللَّهِ مَا نُبَالِي أَيْنَ ذَهَبَ، وَلَا حَيْثُ وَقَعَ، وَتَعُودُ لَنَا وِحْدَتُنَا، وَأَلْفَتُنَا كَمَا كَانَتْ.

قَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ: لَا وَاللَّهِ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، أَلمْ تَرَوْا حُسْنَ حَدِيثِهِ، وَحَلَاوَةَ كلامه، وَغَلَبَتَهُ عَلَى قُلَوبِ الرِّجَالِ بِمَا يَأتِي بِهِ، فَوَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ مَا أَمِنْتُمْ أَنْ يَنزل عَلَى حَيٍّ مِنَ العَرَبِ، ثُمَّ يَسِيرُ بِهِمْ إِلَيْكُمْ بَعْدَ أَنْ يُتَابِعُوهُ حَتَّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ فِي بِلَادِكُمْ، فَيَأْخُذَ أَمْرَكُمْ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِكُمْ مَا أَرَادَ، دَبِّرُوا فِيهِ رَأْيًا غَيْرَ هَذَا.


فَقَالَ كَبِيرُ مُجْرِمي مَكَّةَ أَبُو جَهْلِ بنُ هِشَامٍ لَعَنَهُ اللَّهُ: وَاللَّهِ إِنَّ لِي فِيهِ لَرَأْيًا مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيِهْ بَعْدُ، قَالُوا: مَا هُوَ يَا أَبَا الحَكَمِ؟ .

قَالَ: أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابًّا جَلِيدًا قويًا نَسِيبًا (أي ذو حَسَب) وَسِيطًا فِينَا، ثُمَّ نُعْطِي كُلَّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا قاطعًا، ثُمَّ يَذهبوا إِلَيْهِ، فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَيَقْتُلُوهُ، فنَسْتَرِيحَ مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي القَبَائِلِ جَمِيعًا، فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمُ جَمِيعًا، فَرَضُوا مِنَّا بِالدية فأديناها لَهُمْ.

فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ: القَوْلُ مَا قَالَ الرَّجُلُ، هَذَا الرَّأْيُ، لَا رَأْيَ غَيْرَهُ، وَوَافَقَ القَوْمُ عَلَى هَذَا الِاقْتِرَاحِ الآثِمِ بِالإِجْمَاعِ، وَرَجَعَ القَوْمُ إِلَى بُيَوتِهِمْ، وَقَدْ صَمَّمُوا عَلَى تَنْفِيذِ هَذَا القَرَارِ فَوْرًا.


* إِخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى رَسُولَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَكْرِ المُشْرِكينَ لَهُ:

وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِهَذِهِ المُؤَامَرَةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (سورة الأنفال ).

قَالَ -رضي اللَّه عنه-: تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ، فَاربطوه بَالوَثَاقِ، يُرِيدُونَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ اقْتُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى ذَلِكَ، فَبَاتَ عَلِيٌّ -رضي اللَّه عنه- عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تِلْكَ اللَّيْلَةِ.

وَقَالَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

قَالَ: أَيْ فَمَكَرْتُ بِهِمْ بِكَيْدِي المَتِينِ، حَتَّى خَلَّصْتُكَ مِنْهُمْ .


هِجْرَةُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-

ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي الهِجْرَةِ إِلَى المَدِينَةِ. عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَكَّةَ، ثُمَّ أُمِر بِالهِجْرَةِ، وَأُنِزِلَ عَلَيْهِ: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} (سورة الإسراء).

قَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الطَّنْطَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَاجَرَ المُسْلِمُونَ جَمِيعًا، وَلَمْ يَبْقَ فِي مَكَّةَ إِلَّا النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَرَجُلَانِ اثْنَانِ، مُرَافِقُهُ فِي السَّفَرِ، وَوَكِيلُهُ فِي مَكَّةَ، رَجُلَانِ كَانَا أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ، وَآخِرَ مَنْ هَاجَرَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِيقُ ،وَعَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ -رضي اللَّه عنهما-.

وَلَمَّا أُذِنَ لَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِالهِجْرَةِ قَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "مَنْ يُهَاجِرُ مَعِي؟ ".

قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِيقُ.

فَذَهَبَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى أَبِي بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- لِيُخْبِرَهُ بِذَلِكَ، وَليُرَتِّبَ مَعَهُ أَمْرَ الهِجْرَةِ.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- طَرَفَي النَّهَارِ: بُكْرَةً وَعَشِيَّةً . . . فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةْ (وقت شديد الحرارة)، قَالَ قَائِلٌ "يقال أنها ابنته أسماء" لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُتَقَنِّعًا (أي مُغَطِّيًا رأسه) فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ،

 قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا أَنَا وَأُخْتِى أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-لِأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوج وَالهِجْرَةِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-: يَا رَسُولَ اللَّهِ الصُّحْبَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصُّحْبَةُ".

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي، وَمَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ أَحَدًا يَبْكِي مِنَ الفَرَحِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ يَبْكِي مِنَ الفَرَح.

ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي نَاقَتَانِ، قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، فَخُذْ اِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بِالثَّمَنِ" (لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحَبَّ أن تكون هجرته إلى اللَّه بنفسه ومالِهِ رغبَةً منه عليه الصلاة والسلام فِي استكمَالِ فضلِ الهجرة).


* اسْتِئْجَارُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ أُرَيْقِطَ  دَلِيلًا:

وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-، عَبْدَ اللَّهِ بنَ أُرَيْقِطَ رَجُلًا مِنْ قريش، وكان هَادِيًا خِرِّيتًا "وَالخِرِّيتُ المَاهِرُ الخبير بالطرق" وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ، فَأعطوه رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا، اللَّتَيْنِ أَعَدَّهُمَا أَبُو بَكْرٍ لِلْهِجْرَةِ.

نكمل مع في الحلقة القادمة إن شاء الله قصة الهجرة تابعونا 

الأربعاء، 31 مايو 2023

أول من هاجر من الصحابة رضي الله عنهم ومحنة ام سلمة رضي الله عنها

أول من هاجر من الصحابة رضي الله عنهم:


كانت أُمُّ سَلَمَةَ واسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بنِ المُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هي أول امرأة هاجرت إلى المدينة وقد تعرضت لمحنة كبيرة.

* مِحْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:

وَلْنَتْرُكْ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَرْوِي لَنَا قِصَّةَ هِجْرَتِهَا مَعَ زَوْجِهَا وَابْنِهَا -رضي اللَّه عنهم- أَجْمَعِينَ، تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الخُرُوجَ إِلَى المَدِينَةِ جهز بَعِيرَهُ ، ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي المُغِيرَةِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُومٍ (أهلها) قَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: هَذِهِ نَفْسُكَ غَلَبْتَنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْتَ زوجتك هَذِهِ، عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي البِلَادِ؟ قَالَتْ: فنَزَعُوا حبل البَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ، قَالَتْ: وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ، أهل أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ، لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إِذْ نَزَعْتُمُوهَا مِن زوجها، قَالَتْ: فتَجَاذَبُوا ابْنِي سَلَمَةَ بَيْنَهُمْ، حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ، وَأخذه بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ،

وَحبَسَنِي بَنُو المُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إِلَى المَدِينَةِ، قَالَتْ: فَفُرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي، قَالَتْ: فكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ صباح فَأَجْلِسُ بِالأَبْطَحِ (وادي مكة)، فَمَا أَزَالُ أَبْكِي، حَتَّى أُمْسِي، سَنَةٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي، أَحَدِ بَنِي المُغِيرَةِ، فَرَأَى مَا بِي، فَرَحِمَنِي، فَقَالَ لِبَنِي المُغِيرَةِ: أَلَا ترحمون هَذِهِ المِسْكِينَةِ؟ فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا، قَالَتْ: فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكِ إِنْ شِئْتِ، قَالَتْ: وَرَدَّ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ إِلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي، قَالَتْ: فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ أَخَذْتُ ابْنِي فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالمَدِينَةِ، قَالَتْ: وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ،
 فَقُلْتُ: أَتَبْلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّى أصل إلى زَوْجِي، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ (مكان بمكة) لَقِيتُ عُثْمَانَ بنَ طَلْحَةَ بنِ أَبِي طَلْحَةَ -رضي اللَّه عنه-، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وهو يومئذ مشرك فَقَالَ لِي: إِلَى أَيْنَ يَا بْنَتَ أَبِي أُمَيَّةَ؟
 فَقُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِالمَدِينَةِ، قَالَ: أَوَ مَا مَعَكِ أَحَدٌ؟  قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، إِلَّا اللَّهُ وَابْنِي هَذَا، قَالَ: وَاللَّهِ مَالَكِ مِنْ مَتْرَكٍ، أي لا أتركك تسافرين بمفردك فَأَخَذَ حبل البَعِيرِ، فَانْطَلَقَ مَعِي يسرع بِي، فَوَاللَّهِ مَا صَحِبْتُ رَجُلًا مِنَ العَرَبِ قَطُّ، أَرَى أَنَّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ، كَانَ إِذَا بَلَغَ المَنْزِلَ (المكان الذي يستريحون فيه) أَنَاخَ البعير لأنزل ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي "أي ذهب بعيدا حتى تنزل "، حَتَّى إِذَا نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطَّ عَنْهُ -أَيْ الرَّحْلَ- ثُمَّ قَيَّدَهُ فِي الشَّجَرِةِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنِّي إِلَى شَجَرَةٍ، فنام تَحْتَهَا، فَإِذَا جاء موعد الرحيل  قَامَ إِلَى بَعِيرِي فَقَدَّمَهُ ووضع عليه الرحال، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، فَقَالَ: ارْكَبِي، فَإِذَا رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ "حبله"، فَقَادَهُ حَتَّى يَنْزِلَ بِي، فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتَّى أَقْدَمَنِي المَدِينَةَ، 
فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى قَرْيَةِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ بِقُبَاءَ قَالَ: زَوْجُكِ فِي هَذِهِ القَرْيَةِ -وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا- فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ.

فَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَا رَأَيْتُ صَاحِبًا قَطُّ أَكْرَمَ مِنْ عَثْمَانَ  بنِ طَلحَة .أسلَمَ عثمَانُ بن طلحَةَ -رضي اللَّه عنه- بعد الحُدَيْبِيَةِ، وهاجر إلى المدينة، ودفع إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم فتح مكةَ مفاتيح الكعبة.

قَالَ الدُّكْتُورُ مُحَمَّدُ أَبُو شَهْبَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنَّ لَنَا هُنَا لَوَقْفَةً عِنْدَ قِصَّةِ عُثْمَانَ هَذَا، فَقَدْ كَانَ يَوْمَئِذٍ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ إِلَّا بَعْدَ الحُدَيْبِيَةِ، وَهِيَ تَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ نَفَاسَةِ مَعْدَنِ العَرَبِ، وَفَضائِلِهِمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَلَا سِيَّمَا خُلُقَ المُرُوءَةِ وَالنَّجْدَةِ، وَحِمَايَةِ الضَّعِيفِ، فَقَدْ أَبَتْ عَلَيْهِ مُرُوءَتُهُ وَخُلُقُهُ العَرَبِيُّ الأَصِيلُ أَنْ يَدَعَ امْرَأَةً شَرِيفَةً تَسِيرُ وَحْدَهَا فِي هَذِهِ الصَّحْرَاءَ المُوحِشَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ دِينِهِ.

 هِجْرَةُ عَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ وَزَوْجِهِ:

ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ المَدِينَةَ بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ: عَامِرُ بنُ رَبِيعَةَ حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ بنِ كَعْبٍ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، 

* هِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ:

ثُمَّ هَاجَرَ عَبْدُ اللَّهِ بنَ جَحْشٍ حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ،هاجر بِأَهْلِهِ وَبِأَخِيهِ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ بنُ جَحْشٍ، وَكَانَ مَعَهُمَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ جَحْشٍ، وَكَذَلِكَ هَاجَرَ نِسَاؤُهُمْ: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ، 
فَغُلِّقَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ بِسَبَبِ الهِجْرَةِ، فَمَرَّ بِهَا عُتْبَةُ بنُ رَبِيعَةَ، وَالعَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَأَبُو جَهْلِ بنُ هِشَامٍ، وَهُمْ مُصْعِدُونَ إِلَى أَعْلَى مَكَّةَ، فنَظَرَ إِلَيْهَا عُتْبَةُ بنُ رَبِيعَةَ وقال أَصْبَحَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ خَلَاءً مِنْ أَهْلِهَا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لِلْعَبَّاسِ: هَذَا مِنْ عَمَلِ ابنِ أَخِيكَ هَذَا، فَرَّق جَمَاعَتَنَا، وَشَتَّتَ أَمْرَنَا، وَقَطَعَ بَيْنَنَا.

قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الغَزَالِي: وَأَبُو جَهْلٍ بِهَذَا الْكَلَامِ تَبْرُزُ فِيهِ طَبَائِعُ الطُّغَاةِ كامِلَةً، فَهُمْ يُجْرِمُونَ وَيَرْمُونَ الْوِزْرَ عَلَى أَكْتَافِ غَيْرِهِمْ، وَيَقْهَرُونَ الْمُسْتَضْعَفِينَ.

* هِجْرَةُ مُصْعَبٍ، وَابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَبِلَالٍ، وَسَعْدٍ، وَعَمَّارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ:

ثُمَّ خَرَجَ الصَّحَابَةُ -رضي اللَّه عنهم- أَرْسَالًا يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَهَاجَرَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، وَعَمْرُو بنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَا يُقْرِئَانِ القُرْآنَ لِلأَنْصَارِ، وَبِلَالُ بنُ رَبَاحٍ، وَسَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.

* هِجْرَةُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وَعَيَّاشِ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ فِي رَكْبٍ مِنَ المُسْلِمِينَ:

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَالإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ البَرَاءَ بنِ عَازِبٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: . . . ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- .
 مِنْهُمْ: زَيْدَ بنَ الخَطَّابِ، وَسَعِيدَ بنَ زَيْدٍ، وَعَمْرَو بنَ سُرَاقَةَ، وَأَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَوَاقِدَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَخَالِدَ، وَإِيَاسَ، وَعَامِرَ، وَعَاقِلَ بَنِي البُكَيْرِ، وَخُنَيْسَ بنَ حُذَافَةَ -وَكَانَ زَوْجَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ-، وَعَيَّاشَ بنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَخَوْليَّ بنَ أَبِي خَوْلي، وَمَالِكَ بنَ أَبِي خَوْلي، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ أَقَارِبِ عُمَرَ -رضي اللَّه عنه- وَحُلفَائِهِمْ.

وَكَانَتْ قُرَيْشٌ كُلَّمَا عَلِمَتْ بِأَحَدٍ يُرِيدُ الهِجْرَةَ آذَتْهُ، وَحَاوَلَتْ فِتْنَتَهُ أَوْ حَبْسَهُ، وَلذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَد يَجْرُؤُ عَلَى الخُرُوجِ إِلَّا خُفْيَةً.

* قِصَّةُ أَبِي جَهْلٍ مَعَ عَيَّاشٍ بن أبي ربيعة -رضي اللَّه عنه-:

 خَرَجَ أَبُو جَهْلٍ بنُ هِشَامٍ وَأَخُوهُ الحَارِثُ إِلَى عَيَّاشِ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ ابنَ عَمِّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمِّهِمَا، حَتَّى قَدِمَا المَدِينَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَا يَزَالُ بِمَكَّةَ، فَكَلَّمَ أَبُو جَهْلٍ عَيَّاشًا، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ أُمَّكَ نَذَرَتْ أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهَا مِشْطٌ حَتَّى تَرَاكَ، وَلَا تَسْتَظِلَّ عَنْ شَمْسٍ حَتَّى تَرَاكَ، فَرَقَّ لَهَا، 
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه-: يَا عَيَّاشُ، إِنَّه وَاللَّهِ مَا يُرِيدُكَ القَوْمُ إِلَّا لِيَفْتِنُوكَ عَنْ دِينِكَ فَاحْذَرْهُمْ،  فَقَالَ لَهُ عَيَّاشٌ: أَبَرُّ قَسَمَ أُمِّي، وَلِي هُنَاكَ مَالٌ فَآخُذُهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا، فَلَكَ نِصْفُ مَالِي، وَلَا تَذْهَبْ مَعَهُمَا، وَلَكِنَّهُ أصر أن يَخْرُجَ مَعَهُمَا،
 فَقَالَ لَهُ -رضي اللَّه عنه-:إِذْا أردت الذهاب معهما، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ، فَإِنَّهَا نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ ذَلُولُ (لينة سهلة)، فاركبها ولا تنزل ، فَإِنْ رَابَكَ مِنَ القَوْم رَيْبٌ (أي شككت بأمرهما)، فَانْجُ عَلَيْهَا.أي أسرع بالهرب 

فَخَرَجَ عَلَيْهَا مَعَهُمَا، حَتَّى إِذَا كَانُوا في الطَّرِيقِ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَغْلَظْتُ بَعِيرِي هَذَا، أَفَلَا تُعْقِبَنِي (يريده أن ينزل فيركب هو الناقة) عَلَى نَاقَتِكَ هَذِهِ؟

قَالَ عَيَّاشٌ: بَلَى، فنزل عَيَّاشٌ، ونزلا أيضا ، فَلَمَّا اسْتَوَوْا بِالأَرْضِ هجموا عَلَيْهِ، فَأَوْثَقَاهُ، وَرَبَطَاهُ، ثُمَّ دَخَلَا بِهِ مَكَّةَ،  وَكَانَ دُخُولُهُمَا بِهِ مَكَّة نَهَارًا مُوثَقًا، فَصَارَا يَقُولَانِ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ، كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا.

* دُعَاءُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِعَيَّاشٍ -رضي اللَّه عنه-:

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدْعُوا لِعَيَّاشِ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ -رضي اللَّه عنه-، وَغَيْرِهِ مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَقَدْ أَخْرَجَ البخاري ومسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: حِينَ يَفْرَغُ مِنْ صَلَاةِ الفَجْرِ مِنَ القِرَاءَةِ، وَيُكَبِّرُ، وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ"، ثُمَّ يَقُولُ، وَهُوَ قَائِمٌ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بنَ الوَلِيدِ (أخو خالد بن الوليد)، وَسَلَمَةَ بنَ هِشَامٍ (أخو أبو جهل)، وَعَيَّاشَ بنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ".

وَهَكَذَا لَمْ يَمْضِ شَهْرَانِ أَوْ أَكْثَرُ عَلَى بَيْعَةِ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَوْ مَفْتُون مَحْبُوسٌ، أَوْ مَرِيضٌ، أَوْ ضَعِيفٌ عَنِ الخُرُوجِ

 نكمل مع في الحلقة القادمة استعداد رسول الله للهجرة وتآمر قريش على قتله.

الأحد، 14 مايو 2023

خصائص المدينة المنورة والاستعداد للهجرة


*خَصَائِصَ المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ:

كَانَ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي اخْتِيَارِ المَدِينَةِ دَارًا لِلْهِجْرَةِ، وَمَرْكَزًا لِلدَّعوَةِ، عَدَا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إِكْرَامِ أَهْلها، وَأَسْرَار لَا يَعلَمُها إِلَّا اللَّهُ أُمُورٌ، مِنْهَا:

١ - أَنَّهَا امْتَازَتْ بِتَحَصُّنٍ طَبِيعِيٍّ حَربِيٍّ، لَا تُزَاحِمُها فِي ذَلِكَ مَدِينَةٌ قَرِيبَةٌ فِي الجَزِيرَةِ، فكَانَتْ تحيط بها من الناحية الغربية ومن الناحية الشرقية مناطق تسمى حَرَّةُ وهي الأرضُ ذاتُ الحِجَارة السُّود،التي لا يصلح فيها المشي على الأقدام ولا سير الخيول والإبل ولا الجيوش وَكَانَتِ المَنْطِقَةُ الشَّمَالِيَّةُ مِنَ المَدِينَةِ، هِيَ النَّاحِيَةَ الوَحِيدَةُ المَكْشُوفَةُ (وهي المنطقة التي حصنها رسول الله بحفر الخندق كما سنعرف فيما بعد).


حرات المدينة


٢ - كَانَتِ الجِهاتُ الأُخْرَى مِنْ أَطْرَافِ المَدِينَةِ مُحَاطَةً بِأَشْجَارِ النَّخِيلِ، وَالزُّرُوعِ الكَثِيفَةِ، لَا يَمُرُّ مِنْهَا الجَيْشُ إِلَّا فِي طُرُقٍ ضَيِّقَةٍ.

٤ - كَانَ أَهْلُ المَدِينَةِ مِنَ الأوْسِ وَالخَزْرَجِ أَصْحَابَ نَخْوَةٍ وَإِبَاءٍ وعزة وَفُرُوسِيَّةٍ، وَقُوَّةٍ، وَعزيمة ، ألِفوا الحُرِّيَّةَ، وَلمْ يَخْضَعُوا لِأَحَدٍ ولم يجرؤ أحد ممن جاوروهم أن يسلب منهم شيئا رغما عنهم

فكَانَتِ المَدِينَةُ -لِكُلِّ ذَلِكَ- أَصْلَحَ مَكَانٍ لهِجْرَةِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَصْحَابِهِ، وَاتِّخَاذِهِمْ لَهَا دَارًا وَقَرَارًا، حَتَّى يَقْوَى الإِسْلَامُ، وَيَشُقَّ طَرِيقَهُ إِلَى الأَمَامِ، وَيَفْتَحَ الجَزِيرَةَ.

*الاستعداد للهجرة:

لَمَّا رجع رِجَالُ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، طَابَتْ نَفْسُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَنَعَةً وَقَوْمًا أَهْلَ حَرْبٍ وَعُدَّةٍ وَنَجْدَةٍ،

وأخذ البَلَاء يَشْتَدُّ عَلَى المُسْلِمِينَ مِنَ المُشْرِكِينَ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ خُرُوجِهِمْ إِلَى المَدِينَةِ، فَضَيَّقُوا عَلَيْهِمْ، وَنَالُوا مِنْهُمْ مَا لَمْ يَكُوُنوا يَنَالُونَ مِنَ الشَّتْمِ وَالأَذَى، فَشَكَا ذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَاسْتَأْذَنُوهُ في الهِجْرَةِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ، وَهُمَا الحَرَّتَانِ" (الأرض ذات الحجارة السوداء)، ثُمَّ مَكَثَ أَيَّامًا ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ مَسْرُورًا، فَقَالَ: "قَدْ أُخْبِرْتُ بِدَارِ هِجْرَتِكُمْ وَهِيَ يَثْرِبُ، فَقنْ أَرَادَ الخُرُوجَ فَلْيَخْرُجْ إِلَيْهَا" 

ثُمَّ إِنَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمَرَ جَمِيعَ المُسْلِمِينَ بِالهِجْرَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَاللُّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُمْ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إِخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا". فَخَرَجُوا جماعات ومتفرقين، مُتَخَفِّينَ، مُشَاةً، وَرُكْبَانًا.

وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَكَّةَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّهُ فِي الخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ، وَالهِجْرَةِ إِلَى المَدِينَةِ.

* هِجْرَةُ مُهَاجِرِي الحَبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ:

وَحِينَ سَمِعَ مَنْ بِالحَبَشَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ هِجْرَةَ إِخْوَانِهِمْ إِلَى المَدِينَةِ رَجَعَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا وَثَمَانِيَ نِسْوَةٍ، فَمَاتَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ بِمَكَّةَ، وَحُبِسَ بِمَكَّةَ سَبْعَةُ مِنْهُمْ: هِشَامُ بنُ العَاصِ بنِ وَائِلٍ، وَسَلَمَةُ بنُ هِشَامِ بنِ المُغِيرَةِ، وَهَاجَرَ البَاقُونَ إِلَى المَدِينَةِ، وَبَقِيَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ جَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَحَاطِبُ بنُ الحَارِثِ، وَمَعْمَرُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ العَدَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الحَرْبُ التِي وَقَعَتْ بَيْنَ النَّجَاشِيِّ، وَمَنْ خَرَجُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَامَ خَيْبرَ سَنَةَ سَبْعٍ لِلْهِجْرَةِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ .

* المَصَاعِبُ التِي وَاجَهَهَا المُهَاجِرُونَ -رضي اللَّه عنهم-:


لَمْ تَكُنْ هِجْرَةُ المُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ هَيِّنَةً سَهْلَةً، تَسْمَعُ بِهَا قُرَيْشٌ، وَترضى بها، بَلْ كَانُوا يَضَعُونَ العَرَاقِيلَ فِي سَبِيلِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ، وَيعذبون المُهَاجِرِينَ ليتراجعوا عن فكرة الخروج ولكن المهاجرين فضلوا الهجرة عن البَقَاءَ فِي مَكَّةَ، . . . رغم علمهم أَنَّ مَعْنَى الهِجْرَةِ إِهْدَارُ المَصَالِحِ، وَالتَّضْحِيَةُ بِالأَمْوَالِ، وَالنَّجَاةُ بِأنفسهم فحسب، رغم سيرهم نحو مستقبل غامض لا يدرون ما سيحدث لهم ضحوا بأموالهم وبيوتهم واستقرارهم في سبيل الله.


نكمل معا في الحلقة القادمة إن شاء الله أحداث الهجرة وأول من هاجر من الصحابة رضي الله عنهم .