الاثنين، 30 أكتوبر 2023

دخول النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة

  *كَمْ أَقَامَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِقُبَاءَ؟

قَالَ ابنُ إِسْحَاقَ: قدم رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قُبَاءَ، فنزل فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفٍ فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وفي رواية أربع ليال.


تَأْسِيسُ مَسْجِدِ قُبَاءَ

كَانَ أَوَّلَ عَمَلٍ قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمَّا قَدِمَ قُبَاءَ أَنْ أَسَّسَ مَسْجِدَ قُباءَ، وَهُوَ المَسْجِدُ الذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَصَلَّى فِيهِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ بُنِيَ فِي الإِسْلَامِ .

 وَهُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ صَلَّى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِيهِ بِأَصْحَابِهِ جَمَاعَةً ظَاهِرًا، وَأَوَّلُ مَسْجِدٍ بُنِيَ لِجَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ عَامَّةً.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (سورة التوبة ).

وفي رواية أخرى أن المقصود بالمسجد الذي أسس على التقوى في الآية هو مسجد المدينة فقد رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ المَسْجِدِ الذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ: "هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا" -لِمَسْجِدِ المَدِينَةِ.


* فَضَائِلُ مَسْجِدِ قُباءٍ:

 عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ أَبِي: قَالَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِي هَذَا المَسْجِدَ" -يَعْنِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ- "فَيُصَلِّي فِيهِ، كَانَ كَعَدْلِ عُمْرَةٍ" (أخرجه الإمام أحمد في مسنده ).

وَرَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يأْتِي مَسْجِدَ قبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا.


ارْتِحَالُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ قُبَاءٍ وَأَوَّلُ جُمُعَةٍ صَلاهَا

وَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ رَكِبَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رَاحِلَتَهُ، وَأَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- خلفه، وَأَرْسَلَ إِلَى مَلأٍ مِنْ بَنِي النَّجَارِ، فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفَهُمْ، فَسَارَ بِهِمْ نَحْوَ المَدِينَةِ، وَهُمْ مُحيطون به.


فَأَدْرَكَتِ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَاةُ الجُمُعَةِ فِي دِيَارِ بَنِي سَالِمِ بنِ عَوْفٍ،فَصَلَّاهَا فِي المَسْجِدِ الذِي فِي بَطْنِ وَادِي رَانُونَاءَ (وادٍ بين قباء والمدينة) بِمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَهُمْ مِئَةٌ، وَاسْتَقْبَلَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَلَمَّا أَبْصَرَتْهُ اليَهُودُ صَلَّى إِلَى قِبْلَتِهِمْ تَذَاكَرُوا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ النَّبِيُّ الذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ.


قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ: فَكَانَتْ هَذِهِ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِالمُسْلِمِينَ بِالمَدِينَةِ، أَوْ مُطْلَقًا، لِأَنَّه واللَّه أَعْلَمُ لَمْ يَكنْ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَتَمَكَّنُ هُوَ وَأَصْحَاُبهُ بِمَكَّةَ مِنَ الِاجْتِمَاعِ حَتَّى يُقِيمُوا بِهَا جُمُعَةً ذَاتَ خُطْبةٍ وإعْلَانٍ بِمَوْعِظَةٍ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِشِدَّةِ مُخَالفَةِ المُشْرِكِينَ لَهُ، وَأَذِيَّتِهِمْ إِيَّاهُ، وَسُمِّيَتِ الجُمُعَةُ جُمُعَةً؛ لِأنَّهَا مُشْتَقَّةً مِنَ الجَمْعِ، فَإِنَّ أَهْلَ الإِسْلَامِ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً.


* استِقْبَالُ أَهْلِ المَدِينَةِ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَفَرَحُهُمْ بِهِ:

ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَاقتهُ مِنْ دِيَارِ بَنِي سالِمِ بنِ عَوْفٍ، وَأَرْخَى لَهَا الزِّمَامَ أي ترك الحبل لتذهب الناقة حيث تشاء، فَأتاهُ عِتْبَانُ بنُ مَالِكٍ، وَعَبَّاسُ بنُ عُبَادَةَ بنِ نَضْلَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سالِمِ بنِ عَوْفٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه! أَقِمْ عِنْدَنَا فِي العَدَدِ وَالعُدَّةِ ( أي المال والسلاح) وَالمَنَعَةِ (القوة التي تَمنع من يُريدهم بسُوءٍ)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ"، فَخَلُّوا سَبِيلَهَا، فَانْطَلَقَتْ، حَتَّى إِذَا وَازَنَتْ دَارَ بَنِي بَيَاضَةَ، تَلَقَّاهُ زِيَادُ بنُ لَبِيدٍ -رضي اللَّه عنه-، وَفَرْوَةُ بنُ عَمْرٍو -رضي اللَّه عنه-، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه! هَلُمَّ إِلَيْنَا، إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْمَنَعَةِ، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ" فَخَلُّوا سَبِيلَهَا، فَانْطَلَقَتْ، حَتَّى إِذَا مَرَّتْ بِدَارِ بَنِي سَاعِدَةَ، اعْترَضَهُ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ -رضي اللَّه عنه-، وَالْمُنْذِرُ بنُ عَمْرٍو -رضي اللَّه عنه-، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، هَلُمَّ إِلَيْنَا إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْمَنَعَةِ، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ"، فَانْطَلَقَتْ، حَتَّى دَخَلَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المَدِينَةَ بَعْدَ الجُمُعَةِ، فِي جَوٍّ مَشْحُونٍ بِالفَرَحِ وَالبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ، وَكَانَ يَوْمًا تَارِيخِيًّا مَشْهُودًا، فَقَدْ كَانَتِ البُيُوتُ وَالسِّكَكُ تَرْتَجُّ بِأَصْوَاتِ التَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ.

وَأَشْرَقَتِ المَدِينَةُ بِحُلُولهِ فِيهَا -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَسَرَى السُّرُورُ إِلَى القُلُوبِ.


وَأَخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: . . . فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ المَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، حَتَّى جَعَلَ الإِمَاءُ (جمع الأمة وهي عكس الحرة) يَقُلْنَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- .


وَأَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: . . . فَصَعَدَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَوْقَ البُيُوتِ، وَتَفَرَّقَ الغِلْمَانُ وَالخَدَمُ فِي الطُّرُقِ، ينَادُونَ: يَا مُحَمَّدُ! يَا رَسُولَ اللَّه! يَا مُحَمَّدُ! يَا رَسُولَ اللَّهِ.


وَأَخْرَجَ ابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: . . . فَخَرَجَ النَّاسُ حِينَ قَدِمْنَا المَدِينَةَ فِي الطُّرُقِ، وَعَلَى البُيُوتِ مِنَ الغِلْمَانِ وَالخَدَمِ يَقُولُونَ: جَاءَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.

وَرَوَى البَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عِنْ أَنسٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: فَخَرَجَتْ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَارِ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِ وَهُنَّ يَقُلْنَ:

نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَارِ ... يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ 

وَأَخْرَجَ ابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالإِمَامُ أَحْمَدُ فِي المُسْنَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ اليَوْمُ الذِي دَخَلَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فِيهِ المَدِينَةَ، أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ.



وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّهُ قَالَ: . . . فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ أَنْوَرَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْ يَوْمِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ المَدِينَةَ.


وَكَانَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَا يَمُرُّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ إِلَّا أَخَذُوا حبل رَاحِلَتِهِ قَائِلِينَ: هَلُمَّ يَا رَسُولَ اللَّه إِلَى العَدَدَ وَالعُدَّةِ وَالمَنَعَةِ، فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ"، وَلَمْ تَزَلْ نَاقَتُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَائِرَةً بِه حَتَّى إِذَا أَتَتْ دَارَ بَنِي مَالِكِ ابنِ النَّجَارِ -وَهُوَ مَوْضِعُ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ اليَوْمَ- بَرَكَتْ فَلَمْ يَنْزِلْ عَنْهَا -صلى اللَّه عليه وسلم-، حَتَّى نَهَضَتْ وَسَارَتْ قَلِيلًا، ثُمَّ الْتَفَتَتْ، وَرَجَعَتْ وَبَرَكَتْ فِي مَوْضِعِهَا الأَوَّلِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَرْبِدٌ ( هو الموضع الذي يُجعل فيه التَّمر ليَنْشَف) لِلتَّمْرِ لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي مَالِكِ بنِ النَّجَارِ، وَهُمَا فِي حِجْرِ أَسْعَدِ بنِ زُرَارَةَ -رضي اللَّه عنه-.


فَلَمَّا بَرَكَتْ نَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَذَلِكَ فِي بَنِي النَّجَارِ أَمَامَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رضي اللَّه عنه-، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ المَنْزِلُ"، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ تَوْفِيقِ اللَّه تَعَالَى لِلنَّاقَةِ، فَإِنَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَحَبَّ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي النَّجَارِ.

ثُمَّ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟ ".

فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّه، هَذِهِ دَارِي، وَهَذَا بَابِي، فَقَالَ لَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا" (مكانا للاستراحة)، فَاحْتَمَلَ أَبُو أَيُّوبَ -رضي اللَّه عنه-، الرَحْلَ الذي كان على ناقة النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَوَضَعَهُ فِي بَيْتهِ، فَأَتَى رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه! أَيْنَ تَحِلُّ؟


قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المَرْءُ مَعَ رَحْلِهِ"، وَجَاءَ أَسْعَدُ بنُ زُرَارَةَ فَأَخَذَ بِزِمَامِ ناقته -صلى اللَّه عليه وسلم- وَكَانَتْ عِنْدَهُ .

وَنَزَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه- عَلَى خَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ -رضي اللَّه عنه-.

نكمل معا في الحلقة القادمة إن شاء الله تابعونا بارك الله فيكم