السبت، 31 ديسمبر 2022

باقي القبائل التي عرض عليهم رسول الله عليه الصلاة والسلام نفسه لينصروه

 

من كان يظن أن دعوة رسول الله كانت سهلة ميسرة فلينظر ما مر به الحبيب في رحلته ولينظر كم عانى من أهله وقومه وممن طلب منهم العون والنصر .. 

اقرأوا معنا سيرة الحبيب 



توقفنا في الحلقة السابقة عن القبائل التي عرض رسول الله عليه الصلاة والسلام نفسه عليها حتى يساعدوه وينصروه نكمل معا 

٣ - قَبِيلَةُ كِنْدَةَ:

جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كِنْدَةَ في مَنَازِلهِم بِعُكَاظٍ، فَلَمْ يَأْتِ حَيًّا مِنَ العَرَبِ كَانَ أَلْيَنَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا رَأَى لِيْنَهُمْ، وَقُوَّةَ جَبَهِهِمْ ( أي اسْتِقْبَالُهُم.) لَهُ، جَعَلَ يُكَلِّمُهُمْ وَيَقُولُ:

"أَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ فَإِنْ أَظْهَرْ فَأَنْتُمْ بِالخِيَارِ"، فَقَالَ عَامَّتُهُمْ: مَا أَحْسَنَ هَذَا القَوْلَ، وَلَكِنَّا نَعْبُدُ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، فَقَالَ أَصْغَرُ القَوْمِ: يَا قَوْمُ! اسْبِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ تُسْبَقُوا إِلَيْهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الكِتَابِ لَيُحَدِّثُونَ أَنَّ نَبِيًّا يَخْرُجُ مِنَ الحَرَمِ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، 

وَكَانَ فِي القَوْمِ إِنْسَانٌ أَعْوَرُ، فَقَالَ: أَمْسِكُوا عَلَيَّ، أَخْرَجَتْهُ عَشِيرتُهُ وَتُؤْوُونَهُ أَنْتُمْ؟ تَحْمِلُونَ حَرْبَ العَرَبِ قَاطِبَةً، لَا، ثُمَّ لَا، فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ حَزِينًا، فَانْصَرَفَ القَوْمُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَخَبَّرُوهُمْ،

 فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ: وَاللَّهِ إِنَّكُمْ مُخْطِئُونَ بِخَطَئِكُمْ لَوْ سَبَقْتُمْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ لَسُدْتُمْ العَرَبَ، وَنَحْنُ نَجِدُ صِفَتَهُ فِي كِتَابِنَا، فَوَصَفَهُ لِلْقَوْمِ الذِينَ رَأَوْهُ، كُلُّ ذَلِكَ يُصَدِّقُونَهُ بِمَا يَصِفُ مِنْ صِفَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: نَجِدُ مَخْرَجَهُ بِمَكَّةَ، وَدَارَ هِجْرَتِهِ يَثْرِبَ، فَأَجْمَعَ القَوْمُ لِيُوَافُوهُ فِي المَوْسِمِ القِادِمِ، فَحَبَسَهُمْ سَيِّدٌ لَهُمْ عَنْ تِلْكَ السَّنَةِ، فَلَمْ يُوَافِ أَحَدٌ مِنْهُمْ .


٤ - قَبِيْلَةُ بَنِي حَنِيفَةَ:

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَتَى بَنِي حَنِيفَةَ فِي مَنَازِرلهِمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ العَرَبِ أَقْبَبحَ عَلَيْهِ رَدًا مِنْهُمْ .


٥ - قَبِيلَةُ عَبْسٍ:

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ وَابِصَةَ العَبْسِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي مَنَازِلِنَا بِمِنًى، وَنَحْنُ نَازِلُونَ بِالجَمْرَةِ الأوْلَى التِي تَلِي مَسْجِدَ الخَيْفِ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، مُرْدِفًا خَلْفَهُ زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ، فَدَعَانَا، فَوَاللَّهِ مَا اسْتَجَبْنَا لَهُ، وَلَا خَيْرَ لَنَا، 

قَالَ: وَقَدْ كُنَّا سَمِعْنَا بِهِ وَبِدُعَائِهِ فِي المَوْسِمِ، فَوَقَفَ عَلَيْنَا لَدْعُونَا، فَلَمْ نَسْتَجِبْ لَهُ، وَكَانَ مَعَنَا مَيْسَرَةُ بنُ مَسْرُوقٍ العَبْسِيُّ، فَقَالَ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَوْ صَدَّقْنَا هَذَا الرَّجُلَ وَحَمَلْنَاهُ حَتَّى نَحُلَّ بِهِ وَسَطَ رِحَالِنَا لَكَانَ الرَّأْيُ، فَأَحْلِفُ بِاللَّهِ لَيَظْهَرَنَّ أَمْرُهُ حَتَّى يَبْلُغَ كُلَّ مَبْلَغٍ، فَقَالَ لَهُ القَوْمُ: دَعْنَا عَنْكَ لَا تُعَرِّضْنَا لِمَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ، فَطَمعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي مَيْسَرَةَ، فكَلَّمَهُ، فَقَالَ مَيْسَرَةُ: مَا أَحْسَنَ كَلَامَكَ وَأَنْوَرَهُ، وَلَكِنَّ قَوْمِي يُخَالِفُونَنِي، وَإِنَّمَا الرَّجُلُ بِقَوْمِهِ، فَإِنْ لَمْ يعاونوه فَالعِدَا أَبْعَدُ، 

فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَخَرَجَ القَوْمُ عائدين إِلَى أَهْلِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ مَيْسَرَهُ: مِيلُوا بِنَا إِلَى فَدَكَ (هي قريةٌ بالحِجَازِ، بينها وبينَ المَدِينَةِ يومَانِ)، فَإِنَّ بِهَا يَهُودًا، نَسْأَلُهُمْ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَمَالُوا إِلَى يَهُودٍ، فَأَخْرَجُوا سِفْرًا (بكسر السِّين: هو الكتاب) لَهُمْ، فَوَضَعُوهُ، ثُمَّ دَرَسُوا ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- النَّبِيِّ الأمِّيِّ العَرَبِيِّ، يَرْكَبُ الجَمَلَ، وَيَجْتَزِئُ بِالكِسْرَةِ، وَلَيْسَ بِالطَّوِيلِ وِلَا بِالقَصِيرِ، وَلَا بِالجَعْدِ (جعد الشعر أي ليس بمسترسل) وَلَا بِالسَّبِطِ ( الشعرالمُنْبَسِطُ المُسْتَرْسِلُ)، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، مُشْرَبُ ( الإشْرَابُ: هو خَلْطُ لونٍ بِلَونٍ) اللَّوْنِ،"عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أنه كان إذا وصف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: كان عظيم الهامة، أبيض، مشربًا حُمْرةً."

 فَإِنْ كَانَ هُوَ الذِي دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَادْخُلُوا فِي دِينِهِ، فَإِنَّا نَحْسُدُهُ فَلَا نَتَّبِعُهُ، وَلَنَا مِنْهُ فِي مَوَاطِنَ بَلَاءٌ عَظِيْمٌ، وَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ العَرَبِ إِلَّا اتَّبَعَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فكُونُوا مِمَّنْ يَتَّبِعُهُ، 

فَقَالَ مَيْسَرَةُ: يَا قَوْمُ! إِنَّ هَذَا الأمْرَ بَيِّنٌ، فَقَالَ القَوْمُ: نَرْجعُ إِلَى المَوْسِمِ فَنَلْقَاهُ، فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، وَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ رِجَالُهُمْ، فَلَمْ يَتْبَعْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- المَدِيْنَةَ، وَحَجَّ حَجَّةَ الوَدَاعِ، لَقِيَهُ مَيْسَرَةُ، فَعَرَفَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا زِلْتُ حَرِيصًا عَلَى اتِّبَاعِكَ مِنْ يَوْمِ أَنَخْتَ بِنَا، حَتَّى كَانَ مَا كَانَ، وَأَبَى اللَّهُ إِلَّا مَا تَرَى مِنْ تَأْخِيرِ إِسْلَامِي، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَقَالَ: الحَمْدُ للَّهِ الذِي اسْتَنْقَذَنِي بِكَ مِنْ النَّارِ


٦ - قَبِيلَةُ كَلْبٍ:

عن  مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ حُصيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَتَى كَلْبًا فِي مَنَازِلهِمْ إِلَى بَطْنٍ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَبْدِ اللَّهِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ لَهُمْ: "يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ! إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ أَحْسَنَ اسْمَ أَبِيكُمْ"، فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ .


٧ - قَبِيلَةُ بَنِي شَيْبَانَ:

مِمَّنْ عَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَفْسَهُ جَمَاعَةً مِنْ بَنِي شَيْبَانَ، فِيْهِمْ مَفْرُوقُ بنُ عَمْرٍو، وَهَانِئُ بنُ قَبِيصَةَ، وَالمُثَنَّى بنُ حَارِثَةَ، وَالنُّعْمَانُ بنُ شَرِيكٍ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الإِسْلَامِ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ القُرْآنَ، فَاسْتَحْسَنُوا قَوْلَهُ وَأَعْجَبَهُمْ مَا يَدْعُوا إِلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ اعْتَذَرُوا عَنْ نُصْرَتِهِ لِكَوْنِ كِسْرَى، قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ عَهْدًا أَلَا يُحْدِثُوا حَدَثًا (الأمْرُ الحَادِثُ المُنْكَرُ الذِي لَيْسَ بِمُعْتَادٍ، وَلَا مَعْرُوفٍ.) وَلَا يُؤْوُوا مُحْدِثًا، وَكَانَتْ أَرْضُهُمْ بجانب بِلَادَ فَارِسٍ .


٨ - قَبِيلَةُ بَنِي مُحَارِبٍ:

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: انتهَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى بَنِي مُحَارِبِ بنِ خَصْفَةَ، فَوَجَدَ فِيْهِمْ شَيْخًا ابنَ مائةِ سَنَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةٍ، فكلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَدَعَاهُ إِلَى الإِسْلَامِ، وَأَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالة رَبِّهِ،

 فَقَالَ الشَّيْخُ: أَيّها الرَّجُلُ! قَوْمُكَ أَعْلَمُ بِنَبَئِكَ، وَاللَّهِ لَا يرجع بِكَ رَجُلٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا رجع بِشَرِّ مَا يرجع بِهِ أَهْلُ المَوْسِمِ، فَأَغْنِ عَنَّا نَفْسَكَ، وَإِنَّ أَبَا لَهَبٍ لقائِمٌ يَسْمَعُ كَلَامَ المُحَارِبِيِّ، ثُمَّ وَقَفَ أَبُو لَهَبٍ عَلَى المُحَارِبِيِّ فَقَالَ: لَوْ كَانَ أَهْلُ المَوْسِمِ كُلُّهُمْ مِثْلَكَ لَتَرَكَ هَذَا الدِّيْنَ الذِي هُوَ عَلَيْهِ، إِنَّهُ صَابِئٌ (خارج عن ديننا) كَذَّابٌ، 

فَقَالَ المُحَارِبِيُّ، أَنْتَ وَاللَّهِ أَعْرَفُ بِهِ، هُوَ ابنُ أَخِيكَ، لُحْمَتُكَ (اللُّحْمَةُ بالضَّمِّ: القَرَابَةُ)، ثُمَّ قَالَ المُحَارِبِيُّ: لَعَلَّ بِهِ يَا أَبَا عُتْبَةَ لَمَمًا (جنونا)، فَإِنَّ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ الحَيِّ يَهْتَدِي لِعِلَاجِهِ، فَلَمْ يَرْجعْ أَبُو لَهَبٍ بِشَيْءٍ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا رَآهُ وَقَفَ عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءَ العَرَبِ صَاحَ بِهِ أَبُو لَهَبٍ: إِنَّهُ صَابِئٌ كَذَّابٌ .


نكمل معا في الحلقة القادمة إن شاء الله ونتعرف على الأفراد الذين عرض رسول الله عليهم نفسه لينصروه

تابعونا بارك الله فيكم 

الخميس، 8 ديسمبر 2022

رسول الله يعرض نفسه على القبائل





 بعد ما تأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدم تصديق قريش له وإيمانهم به حتى بعد ما طلبوا منه أن يريهم معجزة فانشق القمر لهم ومع ذلك قالوا سحرنا محمد ! 

بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نفسه على القبائل لعله يجد مخرجا من مكة هو أصحابه 

وفي الحلقات السابقة تعرضنا لرحلته صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وكيف كذبه أهل الطائف ورموه بالحجارة هيا نكمل معا :


عَرْضُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَفْسَهُ الشَّرِيفَةَ عَلَى القَبَائِلِ وَالأَفْرَادِ


قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مكَّةَ في السَّنَةِ العَاشِرَةِ لِلْبِعْثَةِ، في جِوَارِ المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ، -وَذَلِكَ عِنْدَمَا رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ- وَقَوْمُهُ أَشَدُّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ وَفِرَاقِ دِينِهِ، وَكَانَ مَوْسِمُ الحَجِّ في ذَلِكَ العَامِ قَد اقْتَرَبَ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَتَهَيَّاُ لِدَعْوَةِ قَبَائِلِ العَرَبِ إِلَى الإِسْلَامِ، كَمَا كَانَ شَأْنُهُ كُلَّ عَامٍ مُنْذُ أَنْ جَهَرَ بالدَّعْوَةِ في السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِلْبِعْثَةِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ الأَمْرِ حَتَّى آخِرِ مَوْسِمٍ لِلْحَجِّ قَبْلَ هِجْرَتِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدِيْنَةِ، فَكَانَ كُلَّمَا اجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ بالمَوْسِمِ أَتَاهُمْ يَدْعُو القَبَائِلَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الإِسْلَامِ، وَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ مِنَ الهُدَى وَالرَّحْمَةِ، وَيَسْأَلُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ، وَيَمْنَعُوهُ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ .


رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَكَّةَ عَشَرَ سِنِينَ يَتَّبَّعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلهمْ بِعُكَاظٍ ( عُكَاظٌ: هو مَوْضِعٌ بِقُرْبِ مكةَ، كَانَتْ تُقامُ بِهِ في الجَاهِليّةِ سُوقٌ يُقيمونَ فيهِ أيّامًا.) 

وَمِجَنَّةٍ (هو مَوْضِعٌ بأسْفَلِ مكةَ على أمْيالٍ، وَكَانَ يُقامُ بها للعربِ سُوقًا)، وَفِي المَوَاسِم بِمِنًى، يَقُولُ: "مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يْنُصُرُنِي؟ حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالةَ رَبِّي، وَلَهُ الجَنَّةُ"،

حتى كان الناس يحذرون أهلهم إذا أرادوا السفر لمكة يقولون احذروا فتى قريش من أن يفتنكم لما كانت قريش تقوله عن النبي لكل من جاء إليهم 


وَرَوَى أَبُو دَاودَ وابنُ مَاجَه وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ فِي المَوْقِفِ (موسم الحج)، فَيَقُولُ: "أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُوني أَنْ أُبَلغِّ كَلَامَ رَبِّي" 


* شِدَّةُ عَدَاوَةِ أَبِي لَهَبٍ لِلإِسْلَامِ:


وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كُلَّمَا مَرَّ عَلَى قَوْمٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى الإِسْلَامِ تَبِعَهُ عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ وَرَاءَهُ يَرْمِيْهِ بِالحِجَارَةِ.


فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ عِبَادٍ الدَّيْلِيِّ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَصَرَ عَيْنِي بِسُوْقِ ذِي  المَجَازِ (موضعُ سُوقٍ لمكة في الجاهلية ) يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، تُفْلِحُوا"، وَيَدْخُلُ فِي فِجَاجِهَا ( جمعُ فَجٍّ، وهو الطريقُ الوَاسِع)، وَالنَّاسُ مُتَقَصِّفُونَ (مُجْتمعون عليه) عَلَيْهِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَقُولُ شَيْئًا، وَهُوَ لَا يَسْكُتُ يَقُولُ: "أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا"، إِلَّا أَنَّ وَرَاءَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ (الحَوَلُ: هو عَيْبٌ في العين مَعروف) وَضِيْءُ الوَجْهِ يَقُولُ: إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ . فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَذْكُرُ النُّبُوَةَ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا الذِي يُكَذِّبُهُ؟ قَالُوا: عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ .


* القَبَائِلُ التِي عَرَضَ عَلَيْهَا الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- الإِسْلَامَ:


مِنَ القَبَائِلِ الذِيْنَ أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: بَنُو عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ، وَمُحَارِبِ بنِ خَصْفَةَ، وَبَنُو فِزَارَةَ، وَغَسَّانٍ، وَبَنُو مُرَّةَ، وَبَنُو حَنِيفَةَ، وَبَنُو سُلَيْمٍ، وَبَنُو عَبْسٍ، وَبَنُو نَصْرٍ مِنْ هَوَازِنَ، وَبَنُو البُكَاءِ، وَكِنْدَةٍ، وَكَلْبٍ، وَبَنُو الحَارِثِ بنِ كَعْبٍ، وَبَنُو عُذْرَةَ، وَهَمَدَانَ، وَثَقِيفٍ .


١ - قَبِيلَةُ هَمَدَانَ:


رَوَى الإِمَامَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالمَوْقِفِ، فَيَقُولُ: "هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمهِ؟ ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي".


فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمَدَانَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِمَّنْ أَنْتَ؟ ".

قَالَ: مِنْ هَمَدَانَ.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مِنْ مَنَعَةٍ؟ ".

قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَشِيَ أَنْ يخذله قَوْمُهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ لَهُ: آتِيْهِمْ فَأُخبِرُهُمْ، ثُمَّ آتِيْكَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نَعَمْ"، فَانْطَلقَ، وَجَاءَ وَفْدُ الأنْصَارِ فِي رَجَبَ 


٢ - قَبِيلة بَنِي عَامِرِ بنِ كلَ معْصَعَةَ:


قَالَ ابنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَتَى بَنِي عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: بَيْحَرَةُ بنُ فِرَاسٍ: وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي أَخَذْتُ هَذَا الفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ لأكَلْتُ بِهِ العَرَبَ، ثُمَّ قَالَ للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أَرَأَيْتَ إِنْ نَحْنُ تَابَعْنَاكَ عَلَى أَمْرِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ عَلَى مَنْ خَالفَكَ، أَيَكُونُ لَنَا الأمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الأمْرُ إِلَى اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ".


فَقَالَ لَهُ بَيْحَرَةُ بنُ فِرَاسٍ: أنقاتل العرب من أجلك، فَإِذَا أَظْهَرَكَ اللَّهُ كَانَ الأمْرُ لِغَيْرِنَا؟ لَا حَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِكَ، ورفضوا دعوته 


فَلَمَّا رجعوا إلى بلادهم النَّاسُ رَجَعَتْ بَنُو عَامِرٍ إِلَى شَيْخٍ لَهُمْ،كبير في السن، لم يستطع الذهاب معهم  فكَانُوا إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِ حَدَّثُوهُ بِمَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ المَوْسِمِ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ العَامَ سَأَلَهُمْ عَمَّا كَانَ فِي مَوْسِمِهِمْ، فَقَالُوا: جَاءَنَا فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، يَدْعُونَا إِلَى أَنْ نَمْنَعَهُ، وَنَقُومَ مَعَهُ، وَنَخْرُجَ بِهِ إِلَى بِلَادِنَا.

فَوَضَعَ الشَّيْخُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا بَنِي عَامِرٍ! هَلْ لَهَا مِنْ تَلَافٍ؟ هَلْ لِذُنَابَاهَا مِنْ مَطْلَبٍ (يقول هذا ندما على ما فعلوه كان يتمنى لو قبلوا عرض النبي )؟ وَالذِي نَفْسُ فُلَانٍ بِيَدِهِ، مَا تَقَوَّلَهَا إِسْمَاعِيلِيٌّ (أي: ما ادَّعَى النُّبَوُّةَ كَاذبًا أَحَدٌ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ) قَطُّ، وَإِنَّهَا لَحَقٌّ، فَأَيْنَ رَأْيُكُمْ كَانَ عَنْكُمْ .

وفي الموقف السابق دلالة قوية على صدق دعوة رسول الله فلو كان يطلب الملك أو الجاه لقال لهم إن الأمر لكم من بعدي وكانوا سينصرونه حتى إذا اتم له ما أراد رجع في وعوده ونسي ما قال لهم وَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَغَيْرِهَا، وَمَا بَيْنَ الدَّاعِي إِلَى الحَقِّ وَطَالِبِ الدُّنْيَا


رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرِنِي الخَاتَمَ الذِي بَيْنَ كَتِفَيْكَ (هو خَاتَمُ النُّبُوَّةِ الذي بَيْنَ كَتِفَي النّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم)، فَإِنِّي مِنْ أَطَبِّ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلَا أُرِيكَ آيَةً؟ " قَالَ: بَلَى. قَالَ: فنَظَرَ إِلَى نَخْلَةٍ، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ادْعُ ذَلِكَ العَذْقَ" (النَّخْلَةُ). قَالَ: فَدَعَاهُ، فَجَاءَ يَنْقُزُ ( نَقَزَ: أي وَثَبَ) حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْجعْ". فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ العَامِرِيُّ: يَا آلَ بَنِي عَامِرٍ، مَا رَأَيْتُ سحرا كما رأيت اليوم ! 

نكمل معا في الحلقة القادمة باقي القبائل التي عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه عليه .تابعونا بارك الله فيكم