الجمعة، 21 يوليو 2023

رسول الله وأبو بكر في غار ثور -قصة الهجرة الحلقة الثالثة -

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة حزينا ولكن الله سبحانه وتعالى بشَّره بِأنَّهُ سَيُرْجِعُهُ إِلَى مَكَّةَ مُنْتَصِرًا، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (سورة القصص).

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}، قَالَ: إِلَى مَكَّةَ.

* إِذْ هُمَا فِي الغَارِ:
لما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر إلى غار ثور قال أبو بكر مكانك يا رسول الله حتى أستَبْرِي "أي يختَبِرَ الغار وينظُرَهل فيهِ أحدٌ أو شيءٌ يُؤْذِي". فَدَخَلَ فَاسْتَبْرَى، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فنَزَلَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي الغَارِ ومكثا فيه ثلاث ليال 



وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه- يَبِيتُ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ذكي فطن ويرجع قبل الفجر، فيصْبِحُ مَع قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كأنه بات فيها، فيسمع من قريش ويعرف ما يخططون له ويذهب حين يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ إلى النبي وأبي بكر في الغار ليخبرهما ما سمع.

 * دَوْرُ عَامِرِ بنِ فُهَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه-:
كان عَامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- مَوْلَى "خادم" أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يرعى غنم فيه لبن فيأتي إليهما في الغار فيسقيهما ويرجع إلى مكة على آثار عبد الله بن أبي بكر ليخفيها.

* دَوْرُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
وَكَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَأْتيهِمَا بِالطَّعَامِ. تقول أسماء رضي الله عنها أنها صنعت طعاما للنبي وأبي بكروهما في الغار ولم تجد ما تربطه به وتخفيه إلا نطاقها وهو ما تَشُدُّ به المرأةُ وَسْطها ليَرْتَفِعَ به ثَوْبُهَا من الأرض عند العمل فشقته فسميت لذلك ذات النطاقين 

فَنَرى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- سَخَّرَ كُلَّ مَا يَمْلِكُ مِنْ أَهْلٍ، وَمِنْ مَالٍ، وَمَوْلًى عَلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي هِجْرَتِهِ إِلَى المَدِينَةِ، فَأَيُّ فَضْلٍ هَذَا، وَأَيُّ شَرَفٍ هَذَا الذِي حَازَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه-.

أما قريش فبعد أن أصبحوا وفاقوا من صدمتهم وعلموا أن رسول الله قد خرج من بينهم وجعل التراب على رؤوسهم جن جنونهم وَصَارُوا يَهِيمُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ طَلَبًا لَهُ، وَجَعَلُوا لِمَنْ يَأْتِي بِالنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَصَاحِبِهِ مُكَافَأَةً ضَخْمَةً قَدْرُهَا مِائَةُ نَاقَةٍ (وهي ثروة عظيمة) لِمَنْ يَأْتِي بِهِمَا إِلَى قُرَيْشٍ حَيَّيْنِ أَوْ مَيْتَيْنِ.

* أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ يَلْطِمُ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
تقول أَسْمَاءُ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-، أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ ابنُ هِشَامٍ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوكِ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ؟قَالَتْ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي أَيْنَ أَبِي، فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ يَدَهُ، وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا، فَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً طَرَحَ مِنْهَا قُرْطِي (حلق الأذن)، قَالَتْ: ثُمَّ انْصَرَفُوا.

* لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا:
عِنْدَ ذَلِكَ رَكِبَ الفُرْسَانُ وَمتتبعي الأَثَرِ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَانْتَشَرُوا فِي الجِبَالِ وَالوُدْيَانِ يَبحثون عنهما حَتَّى وصلوا إِلَى الجَبَلِ الذِي فِيهِ الغَارُ، وَصَعَدُوا الجَبَلَ، وَوَصَلُوا إِلَى مدخل الغَارِ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ العُثُورِ عَلَى الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَصَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى تَحْتِ قَدَمَيْهِ.

وَكَانَتْ لحظة عصيبة جدا وحاسمة في تاريخ الدعوة
يقول أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا أَبا بَكْرٍ! مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا".

وقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا".

وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَفِي هَذَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة التوبة).

فَلَمَّا انْتَهَى هَؤُلَاءَ الكُفَّارُ إِلَى بَابِ الغَارِ، قَالُوا: هَاهُنَا انْقَطَعَ الأَثَرُ، وَاخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الأَمْرُ، فَلَمَّا رَأَوْا نَسْجَ العَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِ الغَارِ قَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا أَحَدٌ لَمْ يَكُنْ نَسْجُ العَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ فَانْصَرَفُوا.قِصَّة نسج العنكبوت على فَمِ الغار أخرجها: الإمام أحمد في مسنده)، 

 كَانَتْ مُعْجِزَةً، أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا نَبِيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَتَتَجَلَّى هَذِهِ المُعْجِزَةُ فِي أَنَّ هَؤُلَاءَ الكُفَّارِ لَمْ يَتَكَلَّفْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَنْظُرَ دَاخِلَ الغَارِ، وَإِنَّمَا وَقَفُوا عَلَى بَابِ الغَارِ، فَلَمَّا رَأَوْا نَسْجَ العَنْكَبُوتِ، قَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ العَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا.

* مُغَادَرَةُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَصَاحِبِهِ الغَارَ:
أَقَامَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه- فِي الغَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، حَتَّى إِذَا هدأ بحث قريش عنهما جَاءَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُرَيْقِطٍ بِالرَّاحِلَتَيْنِ، فَارْتَحَلَا، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ يَخْدِمُهُمَا.

نكمل معا في الحلقة القادمة طريق الهجرة وما حدث فيه تابعونا بارك الله فيكم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق