قريش يسألون الرسول عن الروح وعن ذي القرنين وعن أصحاب الكهف فبماذا أجاب ؟
حلقة 35
بعد أن فشلت جميع محاولات قريش في إثناء الرسول والمسلمين عن الدعوة لدينهم قرروا أمرا جديدا !!اجتمعوا يوما فقام أحدهم ويدعي النضر بن الحارث فنصحهم قائلًا:
يا معشر قريش، والله لقد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلامًا حدثًا أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، و جاءكم بما جاءكم به، قلتم: ساحر، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونَفْثَهم وعَقْدَهم،
وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتَخَالُجَهم وسمعنا سَجَعَهُم،
وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هَزَجَه ورَجَزَه،
وقلتم: مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون، فما هو بخنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم.
وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش ، وممن كان يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وينصب له العداوة ، وكان قد قدم الحيرة ، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس ، وأحاديث رستم واسبنديار .
فكان إذا جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسا فذكر فيه بالله ، وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله ، خلفه في مجلسه إذا قام ، ثم قال : أنا والله يا معشر قريش ، أحسن حديثا منه ، فهلم إلي ، فأنا أحدثكم أحسن من حديثه ، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسبنديار ، ثم يقول : بماذا محمد أحسن حديثا مني ؟ .
قال ابن هشام : وهو الذي قال فيما بلغني : سأنزل مثل ما أنزل الله . قال ابن إسحاق : وكان ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول ، فيما بلغني : نزل فيه ثمان آيات من القرآن : قول الله - عز وجل - : إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين . وكل ما ذكر فيه من الأساطير من القرآن .
فلما قال لهم ذلك النضر بن الحارث بعثوه ، وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة ، وقالوا لهما : سلاهم عن محمد ، وصفا لهم صفته ، وأخبراهم بقوله ، فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألا أحبار يهود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووصفا لهم أمره ، وأخبراهم ببعض قوله ، وقالا لهم : إنكم أهل التوراة ، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا .
فقالت لهما أحبار يهود : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، فروا فيه رأيكم .
سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم ؛ فإنه قد كان لهم حديث عجب ،
وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ،
وسلوه عن الروح ما هي ؟ فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه ، فإنه نبي ، وإن لم يفعل ، فهو رجل متقول ، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم .
فأقبل النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي حتى قدما مكة علىقريش ، فقالا : يا معشر قريش ، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها ، فإن أخبركم عنها فهو نبي ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، فروا فيه رأيكم .
فجاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا محمد ، أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب ؛ وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ؛ وأخبرنا عن الروح ما هي ؟ قال : فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أخبركم بما سألتم عنه غدا ولم يستثن أي لم يقل إن شاء الله ، فانصرفوا عنه .
فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون - خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ، ولا يأتيه جبريل ، حتى أرجف أهل مكة ، وقالوا : وعدنا محمد غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة ، قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ، وحتى أحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث الوحي عنه ، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة : ثم جاءه جبريل من الله - عز وجل - بسورة أصحاب الكهف ، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم ، وخبر ما سألوه عنه من أمر الله الفتية ، والرجل الطواف ، والروح
فلما جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما عرفوا من الحق ، وعرفوا صدقه فيما حدث ، وموقع نبوته فيما جاءهم به من علم الغيوب حين سألوه عما سألوا عنه ، حال الحسد منهم له بينهم وبين اتباعه وتصديقه ، فعتوا على الله وتركوا أمره عيانا ، ولجوا فيما هم عليه من الكفر .
فقال قائلهم : لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون أي اجعلوه لغوا وباطلا ، واتخذوه هزوا لعلكم تغلبونه بذلك ، فإنكم إن ناظرتموه أو خاصمتموه يوما غلبكم .
نكمل الحلقة القادمة إن شاء الله
تابعونا بارك الله فيكم