* عِبْرَةٌ وَعِظَةٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ:
وَإِنَّ الإِنْسَانَ لَيَقِفُ أمَامَ هَذَا الخَبَرِ مَأْخُوذًا بِصَرَامَةِ هَذَا الدِّينِ وَاسْتِقَامَتِهِ، فَهَذَا عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَكَافِلُهُ وحَامِيهِ وَالذَّائِدُ عَنْهُ، لَا يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ الإِيمَانَ، عَلَى شِدَّةِ حُبِّهِ لرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وشِدَّةِ حُبِّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يُؤْمِنَ. ذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ إِلَى عَصَبِيَّةِ القَرَابَةِ وحُبِّ الْأُبُوَّةِ، وَلَمْ يَقْصِدْ إِلَى العَقِيدَةِ. وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ هَذَا مِنْهُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لَهُ مَا كَانَ يُحِبُّهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ويَرْجُوهُ. فَأَخْرَجَ هَذَا الأَمْرَ -أَمْرَ الهِدَايَةِ- مِنْ حِصَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَجَعلَهُ خَاصًّا بِإِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ وتَقْدِيرِهِ. ومَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ، ومَا عَلَى الدَّاعِينَ بَعْدَهُ إِلَّا النَّصِيحَة. وَالقُلُوبُ بَعْدَ ذَلِكَ بيْنَ أَصَابعِ الرَّحْمَنِ، وَالهُدَى وَالضَّلَالُ وِفْقَ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ قُلُوبِ العِبَادِ وَاسْتِعْدَادِهِمْ لِلْهُدَى أَوْ لِلضَّلَالِ.
إِنَّ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى الجَلِيلَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَدْ آزَرَتْهُ في أَحْرَجِ الأَوْقَاتِ، وَأَعَانَتْهُ عَلَى إبْلَاع رِسَالَتِهِ، وشَارَكَتْهُ مَغَارِمَ الجِهَادِ المُرِّ، وَوَاسَتْهُ بِنَفْسِهَا وَمَالِهَا،
وبعد وفاة أبي طالب بنحو شهرين أو بثلاثة أيام ـ على اختلاف القولين ـ توفيت أم المؤمنين خديجة الكبرى رضي الله عنها وكانت وفاتها في شهر رمضان في السنة العاشرة من النبوة، ولها خمس وستون سنة على أشهر الأقوال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك في الخمسين من عمره.