الخميس، 18 أغسطس 2022

رحلة الإسراء والمعراج الجزء الأول



 رحلة الإسراء والمعراج 

 جَاءَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ تَثْبِيتًا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتَكْرِيمًا لَهُ فِي أَعْقَابِ سِنِينَ طَوِيلَةٍ مِنَ الدَّعْوَةِ، والصَّبْرِ عَلَى أَذَى المُشْرِكِينَ واضْطِهَادِهِمْ، ونُكْرَانِهِمْ، وجَفَائِهِمْ

جاءت بعد أحداث عصيبة مرت على رسول الله من موت عمه أبي طالب وموت زوجته السيدة خديجة وخروجه من مكة إلى الطائف وتكذيب أهل الطائف له وما حدث له فيها كما ذكرنا في الحلقة السابقة

جاءت تكريما له وكأن الله عز وجل يقول لا تحزن فإن كان أهل الأرض قد كذبوك وآذوك فإن أهل السماء. يرحبون بك

والمقصود بالإسراء هو السير ليلا ويُقْصَدُ بِالْإِسْرَاءِ هُنَا: الرِّحْلَةُ التِي أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا نَبِيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ بِمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إلى المَسْجِدِ الأَقْصَى بِالقُدْسِ

أَمَّا المِعْرَاجُ: فَهُوَ مَا أَعْقَبَ هَذِهِ الرِّحْلَةَ مِنَ العُرُوجِ بِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى السَّمَوَاتِ العُلَا حَتَّى الوُصُولِ إِلَى مُسَتَوَى تَنْقَطِعُ عِنْدَهُ عُلُومُ الخَلَائِقِ.


وَقَدْ أشَارَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ إِلَى تِلْكَ الحَادِثَةِ فِي سُورَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الإِسْرَاءِ فِي سُورَةِ الإِسْرَاءِ، قَالَ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2).


وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قِصَّةَ المِعْرَاجِ فِي سُورَةِ النَّجْمِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى

 الإِسْرَاءُ والمِعْرَاجُ بِالجَسَدِ والرُّوحِ:

الصَّحِيحُ أَنَّ الإِسْرَاءَ والمِعْرَاجَ كَانَ بِجَسَدِهِ ورُوحِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم

وقد أُسري به عليه الصلاة والسلام يقظة لا مناما ببدنه وروحه وقد كانت هذه الحادثة من معجزات النبي التي صعب على المشركين تصديقها

أما عن تفاصيل الرحلة فقد جاء جبريل إلى النبي وهو نائم عند الكعبة فشق صدره واستخرج قلبه وغسله في إناء من ذهب مملوءة بالإيمان ثم أعاده إلى مكانه وأتاه بدابة تسمى البراق  والبُرَاقَ مشتق من البريق فقد كانت دابة بيضاء لها بريق ولمعان وقيل مشتق من البرق لسرعتها  فقد وصف رسول الله سرعة البراق  قائلا أنه يضع حافره عند منتهى بصره.. 

فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَرْكَبَهُ، اسْتَصْعَبَ عَلَيْهَ، فَقَال لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أبِمُحَمَّدٍ تَفْعَل هَذَا؟ فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ، قَالَ: "فَارْفَضَّ عَرَقًا أي سال عرقه وهدأ وسكن واستطاع رسول  الله أن يركبه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرَكِبْتُهُ -أَيِ الْبُرَاقُ- حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ ، فَرَبَطْتُهُ بِالحَلْقَةِ التِي يَرْبِطُ بِهَا الأَنْبِيَاءُ  

 وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى بيت المقدس بعض المشاهد 

المَشْهَدُ الأَوَّلُ

رَوَى الإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرَأَى عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ يَطْلُبُهُ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ، كُلَّمَا الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَآهُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَفَلَا أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ، إِذَا قُلْتَهُنَّ طُفِئَتْ شُعْلَتُهُ وَخَرَّ لِفِيهِ (أي سقط على وجهه )؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَلَى" فَقَالَ جِبْرِيلُ: فَقُلْ: أعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الكَرِيمِ، وبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ اللَّاتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءَ، وشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وشَرِّ مَا ذَرَأَ (خلق) فِي الأَرْضِ، وشَرِّ مَا يَخْرُجُ فِيهَا، ومِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ، ومِنْ طَوَارِقِ (حوادث الليل ) اللَّيْلِ والنَّهَارِ، إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ

 المَشْهَدُ الثَّانِي:

رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الدَّجَّالَ، فَقَدْ رَوَى الإِمَام أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صحِيحٍ عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ فَقَالَ: . . . وَرَأَى الدَّجَّالَ فِي صُورَتِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ. . . فَسُئِلَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الدَّجَّالِ؟ فَقَالَ: "رَأَيْتُهُ فَيْلَمَانِيًّا ( أي عظيم الجسم)، أَقْمَرَ (شديد البياض) هِجانًا (أبيض)، إِحْدَى عَيْنَيْهِ قَائِمَةٌ (أي في مكانها الصحيح) كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، كأَنَّ شَعْرَ رَأْسِهِ أغْصَانُ شَجَرَةٍ" 

 تابعوا معنا الحلقة القادمة نكمل معا رحلة الإسراء والمعراج وما حدث فيها 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحلقة التالية هنا  

الاثنين، 25 يوليو 2022

كيف دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة بعد رحلة الطائف؟

 دُخُولُ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وسلم مَكَّةَ فِي جِوَارِ المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ

 
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَكَّةَ، وقَوْمُهُ أشَدُّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ، وفِرَاقِ دِينِهِ.فَلَمَّا أَرَادَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- دُخُولَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه-: كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أخْرَجُوكَ؟ 

فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا زَيْدُ! إِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا ومَخْرَجًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُ دِينِهِ، ومُظْهِرُ نَبِيِّهِ".

ثُمَّ انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى حِرَاءٍ، فَبَعَثَ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ هُوَ: عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُرَيْقِطٍ إلى الأَخْنَسِ بنِ شَرِيقٍ لِيُجِيرَهُ "أي ليحميه من بطش قريش" ، فَقَالَ الأَخْنَسُ: أنَا حَلِيفُ قُرَيْشٍ، وَرَفَضَ إِجَارَةَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.


فَبَعَثَ إِلَى سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو لِيُجِيرَهُ، فَقَالَ سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو: إِنَّ بَنِي عَامِرِ بنِ لُؤَيٍّ لَا تُجِيرُ عَلَى بَنِي كَعْبٍ، ورَفَضَ سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو أَنْ يُجِيرَ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

فَبَعَثَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ لِيُجِيرَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ المُطْعِمُ: نَعَمْ وَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بنِ أُرَيْقِطٍ: قُلْ لِمُحَمَّدٍ فَلْيَأْتِ.


فَرَجَعَ إلى الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَبَاتَ عِنْدَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا أصْبَحَ خَرَجَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ، وَقَدْ لَبِسَ سِلَاحَهُ هُوَ وبَنُوهُ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ فَدَخَلُوا المَسْجِدَ، وَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: طُفْ، وأَمَرَ بَنِيهِ أَنْ يَكُونُوا عِنْدَ أرْكَانِ البَيْتِ لِحِمَايَةِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

فَهُنَا أقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ إلى المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ، وَقَالَ لَهُ: أَمُجِيرٌ أَمْ تَابعٌ (يريد التأكد هل دخل المطعم في دين الإسلام أم أنه يجيره فقط كعادة العرب)؟ 

فَقَالَ المُطْعِمُ: بَلْ مُجِيرٌ.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتَ. فَجَلَسَ مَعَهُ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ طَوَافَهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- انْصَرَفُوا مَعَهُ، ورَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ إلى مَجْلِسِهِ .


وَفَاءُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِلْمُطْعِمِ بنِ عَدِيّ:

وَلِهَذَا الصَّنِيعِ الذِي فَعَلَهُ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي أُسَارَى بَدْرٍ: "لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلَاءِ لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ" "أي بغير فداء"
وعاد رسول الله ليكمل دعوته في نشر الدين رغم كل الصعاب التي يلقاها ولكن الله أراد أن يُكرم نبيه ويُريه أنه إن كان أهل الأرض قد كذبوك وطردوك فإن أهل السماء يرحبون بك ويصدقونك  فكانت رحلة الإسراء والمعراج العظيمة 
سنتعرف على تفاصيلها في الحلقة القادمة إن شاء الله 



الجمعة، 15 يوليو 2022

أصعب وأشد يوم مر على رسول الله "يوم الطائف"

 خُرُوجُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الطَّائِفِ

لَمَّا اشتد أذى قُرَيْشٍ عَلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْدَ أَنْ صَارَ وَحِيدًا بِلَا نَصِيرٍ يَحْمِيهِ ويُؤْوِيهِ مِنَ النَّاسِ،ولا رفيقة تهون عليه ما يلاقيه ورأى زهد قُرَيْشٌ في الإِسْلَامِ وانصرافهم عن دعوته ,وعداوتهم له وللمسلمين بَدَأَ يُفَكِّرُ بِالخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهِ نَصِيرًا، وقَبُولًا، واسْتِجَابَةً لِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الطَّائِفِ حيث قبيلة ثقيف وهي المركز الثاني للقوة والسيادة في الحجاز بعد مكة  ليَلْتَمِسُ نُصْرَتَهُمْ،ويدعوهم للإسلام وكان يرجو أن يهديهم الله تعالى فيستجيبوا دعوته وَالطَّائِفُ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَهَا وبَيْنَ مَكَّةَ اليَوْمَ (80) كيلُو مِتر تَقْرِيبًا

، قَطَعَهَا رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَمَعَهُ مَوْلَاهُ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ مَاشِيًا عَلَى الأَقْدَامِ ذَهَابًا ورُجُوعًا 

* وُصُولُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الطَّائِفِ  
فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الطَّائِفِ عَمَدَ إِلَى نَفَرٍ مِنْ ثَقِيفٍ، هُم
يَوْمَئِذٍ سَادَةُ ثَقِيفٍ وأَشْرَافُهُمْ، وهُمْ إِخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ يَالِيلَ بنُ عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ، ومَسْعُودُ بن عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ، وحَبِيبُ بنُ عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ ، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وكَلَّمَهُمْ بِمَا جَاءَهُمْ لَهُ مِنْ نُصْرَتِهِ عَلَى الإِسْلَامِ، والقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالفهُ مِنْ قَوْمِهِ

   فَقَال أحَدُهُمْ: هُوَ يَمْرُطُ أي يمزق ثِيَابَ الكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللَّهُ أرْسَلَكَ والمعني أنه لا يصدق النبي فيما يقوله 

وقَال الثَّانِي: أمَا وَجَدَ اللَّهُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرُكَ؟

وَقَالَ الثَّالِثُ: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا، لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنَ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ لَأَنْتَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ الكَلَامَ، ولَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُكَلِّمَكَ

 فَلَمَّا يَئِسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- منْهم، قَالَ لَهُمْ: "إِذَا فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنِّي"،أي لا تخبروا أحدا برفضكم دعوتي  فقد كَرِهَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَبْلُغَ قَوْمَهُ خَبَرَ قُدُومِهِ عَلَى الطَّائِفِ فَيَجْتَرِؤُا عَلَيْهِ وَتَزْدَادَ عَدَاوَتُهُمْ وَشَمَاتَتُهُمْ، ولَكِنَّ القَوْمَ لَمْ يَفْعَلُوا، وقَالُوا لَهُ: اخْرُجْ مِنْ بَلَدِنَا، وأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وعَبِيدَهُمْ، فَجَعَلُوا يَسُبُّونَهُ ويَصِيحُونَ بِهِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وقَعَدُوا لَهُ صَفَّيْنِ عَلَى طَرِيقِهِ، وأخَذُوا يلقونه بالحجارة حتى دميت قدماه وكَانَ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه- يَقِيهِ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَقَدْ أصَابَهُ شق في رَأْسِهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ السُّفَهَاءُ حَتَّى احتمى بحائط أي ببستان لِعُتْبَةَ وشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وهم من سادات قريش ، فَلَمَّا دَخَلَ الحَائِطَ رَجَعَ عَنْهُ مَنْ كَانَ يَتْبَعُهُ مِنْ سُفَهَاءَ ثَقِيفٍ، وعَمَدَ إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ مِنْ عِنَبٍ، فَجَلَسَ فِيهِ هُوَ وزَيْدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه

فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الْحَائِطِ تَوَجَّهَ إِلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى بِهَذَا الدُّعَاءِ المَشْهُورِ الذي تفيض له الأعين بالدموع كلما قرأناه  فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-:

 "اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي (أي يَلْقَاني بالغِلْظَةِ والوجهِ الكَرِيهِ)؟ ! أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ ! إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وصَلَحَ عَلَيْهِ أمْرُ الدُّنْيَا والَآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ. لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"

 * قِصَّةُ عَدَّاسٍ

فَلَمَّا رَآهُ ابْنَا رَبِيعَةَ عُتْبَةُ وشَيْبَةُ، وَكَانَا في الحَائِطِ، وَرَأَيَا مَا لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ سُفَهَاءَ أَهْلِ الطَّائِفِ، تَحَرَّكَتْ لَهُ رَحِمُهُمَا وأخذتهما الرأفة به ، فَدَعَوْا غُلَامًا لَهُمَا نَصْرَانيًّا، يُقَالُ لَهُ: عَدَّاسٌ، فَقَالَا لَهُ: خُذْ قِطْفًا مِنْ هَذَا العِنَبِ فَضَعْهُ في هَذَا الطَّبَقِ، ثُمَّ اذْهَبْ بِهِ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقُلْ لَهُ يَأْكُلْ مِنْهُ، فَفَعَلَ عَدَّاسٌ، ثُمَّ أقْبَلَ بِهِ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُلْ، فَلَمَّا وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِيهِ يَدَهُ قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ" ثُمَّ أَكَلَ، فنَظَرَ عَدَّاسٌ في وَجْهِهِ مُسْتَغْرِبًا، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ إنَّ هَذَا الكَلَامَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ هَذِهِ البِلَادِ، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِنْ أَهْلِ أَيِّ البِلَادِ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ؟ وَمَا دِينُكَ؟ " 

قَالَ: نَصْرَانِيٌّ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى (بلد نبي الله يونس عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِنْ قَرْيَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بنِ مَتَّى؟ " فَقَالَ عَدَّاسٌ: وَمَا يُدْرِيكَ مَا يُونُسُ بنُ مَتَّى؟ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذَاكَ أَخِي كَانَ نَبِيًّا وَأَنَا نَبِيٌّ".

فَأَكَبَّ عَدَّاسٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقَبِّلُ رَأْسَهُ، ويَدَيْهِ، وَقَدَمَيْهِ، وأَسْلَمَ 

فَقَالَ ابْنَا رَبِيعَةَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَمَّا غُلَامُكَ فَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْكَ، فَلَمَّا جَاءَهُمَا عَدَّاسٌ، قَالَا لَهُ: وَيْلَكَ يَا عَدَّاسُ! مَالَكَ تُقَبِّلُ رَأْسَ هَذَا الرَّجُلِ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ؟
قَالَ: يَا سَيِّدِي! مَا فِي الأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِأَمْرٍ مَا يَعْلَمُهُ إِلَّا نَبِيٌّ، قَالَا 
لَهُ: وَيْحَكَ يَا عَدَّاسُ! لَا يَصْرِفَنَّكَ عَنْ دِينِكَ، فَإِنَّ دِينَكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ 

* رُجُوعُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى مَكَّةَ

ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ الطَّائِفِ، وهُوَ مَهْمُومٌ ومَحْزُونٌ، فَلَمْ يَسْتَفِقْ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَّا وَهُوَ بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: هَلَ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قال: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ (أي قريش) مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بنِ عَبْدِ كِلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي  , فَلَمْ أسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ (وهو مكان يبعد اليوم عن مكة 80 كيلو متر )، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أظَلَّتْنِي، فنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ(الأخْشَبَانِ: الجَبَلَانِ المُطِيفَانِ بمكةَ، وهما أبو قُبَيْسٍ والأحمر)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَلْ أَرْجُو  أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا" .

قُلْتُ: وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دَعْوَةَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي هَؤُلَاءِ  الكُفَّارِ،فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِ أَبِي طَالِبٍ، عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ -رضي اللَّه عنه-، وَجَعْفَرَ بنَ أَبِي طَالِبٍ-رضي اللَّه عنه
وأخْرَجَ مِنْ صُلْبِ أَبِي جَهْلٍ، عِكْرَمَةَ بنَ أَبِي جَهْلٍ -رضي اللَّه عنه-، وأخْرَجَ مِنْ صُلْبِ الوَليدِ بنِ المُغِيرَةِ، خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ -رضي اللَّه عنه-, وأخْرَجَ مِنْ صُلْبِ العَاصِ بنِ وَائِلٍ، عَمْرَو بنَ العَاصِ -رضي اللَّه عنه-، وأخْرَجَ مِنْ صُلْبِ المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ، جُبَيْرَ بنَ مُطْعِمٍ -رضي اللَّه عنه-، وغَيْرَهُمْ كَثِيرٌ الذِينَ خَرَجُوا مِنْ أصْلَابِ هَؤُلَاءِ الكُفَّارِ
صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله كم تحملت في سبيل الدعوة جزاك الله خير ما جازى نبيا عن أمته 



الأحد، 12 يونيو 2022

صور من إيذاء المشركين للنبي بعد وفاة عمه




صور من إيذاء المشركين للنبي بعد وفاة عمه 

بعد وفاة أبو طالب والسيدة خديجة توالت المصائب والأحزان على رسول الله  ونالت قريش منه من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابًا، ودخل بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه فاطمة فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها : ( لا تبكى يابنية، فإن الله مانع أباك )  ويقول بين ذلك : ( ما نالت منى قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب )  

يروي لنا عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ ويقول: سَأَلْتُ ابنَ عَمْرِو بنِ العَاصِ أخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَئٍ صَنَعَهُ المُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي في حِجْرِ الكَعْبَةِ، إِذْ أقْبَلَ عُقْبَةُ بنُ أَبِي مُعَيْط -لَعَنَهُ اللَّهُ- فَوَضَعَ ثَوْبَهُ في عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكبِهِ ودَفَعَهُ عَنِ النَبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَقَالَ: {أَتَقَتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِيَ اللَّهُ} 


وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وأَبُو جَهْلٍ وأصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، أيُّكُّمْ يَجِيءُ بِسَلَى  جَزُورِ "أي أحشاء بعير"  بَنِي فُلَانٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ، فَانْبَعَثَ أشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، وهُوَ عُقْبَةُ بنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فنَظَرَ حَتَّى إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أنْظُرُ لَا أُغْنِي  شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ "أي أحد يحميني"

 قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ، وَيُحِيلُ  بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ"أي يتمايلون من شدة الضحك"، ورَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ 

حَتَّى جَاءَتْهُ فاطِمَةُ  فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُم عَلَيْكَ  بِقُرَيْشٍ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ في ذَلِكَ البَلَدِ  مُسْتَجَابَةٌ. ثُمَّ سَمَّى -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وشَيْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، والوَليدِ بنِ عُتْبَةَ، وأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ"، قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: فَوَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَرْعَى في القَلِيبِ " قَلِيبِ بَدْرٍ" . يوم غزوة بدر 

ومِمَّا لَقِيَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ المُشْرِكِينَ أيضا يرويه لنا  أَبِو هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- فيقول: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟  " أي يسجد لربه أمامكم على التراب" فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ: واللَّاتِ وَالعُزَّى! لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَن عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ في التُّرَابِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه-: فَأتى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهُوَ يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ "يتراجع مسرعا" ويَتَّقِي بَيَدَيْهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَالَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا، وأجْنِحَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطفَتْهُ المَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا" ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: 

{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ  الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)سورة العلق}

ولم تزل قريش تؤذي رسول الله وأصحابه وهو صابر مقيم على دعوته لا ييأس من هدايتهم مشفقا عليهم من جهلهم وكفرهم ويدعو لهم"اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" 

صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله  

الجمعة، 10 يونيو 2022

وفاة السيدة خديجة رضى الله عنها وحزن النبي عليه الصلاة والسلام عليها



 وفاة السيدة خديجة رضى الله عنها 

 إن خديجة رضي الله عنها من نعم الله الجليلة على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد آزرته في أحرج الأوقات، وأعانته على إبلاغ رسالته، وشاركته آلامه وآماله، وواسته بنفسها ومالها، وبقيت ربع قرن تحمل معه كيد الخصوم    وآلام الحصار ومتاعب الدعوة وبذلت من أجل هذا الدين كل غالٍ ونفيس وكانت أول من صدق بالرسالة حين نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام 

وقد توفيت رضي الله عنها قبل هجرة النبي للمدينة بثلاث سنين وقيل أنها توفيت بعد أبي طالب بشهرين 

ومكثت مع النبي خمس وعشرون سنة وحين توفيت كان عمرها خمس وستون سنة

 وعمر النبي عليه الصلاة والسلام خمسون سنة

ولم يتزوج النبي صلى الله علية وسلم أمرأة قبلها ابدًا بل ولم يتزوج عليها حتى ماتت وقضى معها أجمل أيام العمر فى مودة ورحمة ومحبة وطاعة لله عز وجل ودعوة لدين الله جل وعلا ولم تزوده الأيام بعد وفاتها إلا حبا وًوفاءً لها فكان يثني عليها دائمًا ويحب من يحبها بل كان يحب أن يرى أو يسمع ما يذكره بها وبأيامها العطرة المباركة .

وهكذا صعدت تلك النفس المطمئنة إلى ربها حين جاء أجلها المحتوم بعد أن ضربت مثلاً رائعًا فى الدعوة إلى الله والجهاد فى سبيله وقد عاشت مع الرسول الكريم خمسًا وعشرين عامًا كانت فيها الزوجة الحكيمة العاقلة التى لم تبخل بشيء فيه مرضاه الله ورسوله وقد استحقت أن يبشرها ربها بالجنة .

إن لأمنا خديجة رضى الله عنها فضلاً كبيرًا على كل مسلم ومسلمة إلى قيام الساعة  

  ولقد حزن النبي لموتها حزنًا شديدًا فقد اجتمعت عليه مصيبتان فقده لعمه العطوف الذي طالما دافع عنه وحماه من أذى المشركين وفقده  لزوجته العطوفة التي طالما ساندته ووقفت بجانبه وكانت نعم المعينة 

فلزم النبي بيته وأقل من الخروج وكان من هديه عليه الصلاة والسلا عند المصيبة السكون والرضا بقضاء الله والإسترجاع والحمد لله 

أما عن فضل خديجة فإنه عظيم جدا 

  فقد  بعث الله عز وجل لها السلام مع جبريل وهذه منقبة لم تكن لغيرها وبشرها ربها ببيت في الجنة من قصب أي من لؤلؤ مجوف وقال عنها النبي أنها خير نساء الأرض في عصرها وأنها من أفضل نساء أهل الجنة هي ومريم ابنه عمران وفاطمة بنت محمد وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون 

تروي لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها  وتقول أنها ما غارت على النبي إلا من خديجة رغم أنها لم ترها فقد توفيت وعائشة ما تزال طفلة صغيرة ومع ذلك كانت تغار منها لما تراه من حب النبي لها وتذكره الدائم لها ولصلته أقاربها وصديقاتها بعد موتها 

حتى أنها قالت للنبي ذات مرة إن الله أبدلك خيرا منها فرد النبي عليها  

وقال: ما أبدَلَني اللهُ عزَّ وجلَّ خَيرًا منها، قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ، ورزَقَني اللهُ عزَّ وجلَّ ولَدَها إذ حرَمَني أولادَ النِّساءِ.

 رضي الله عنها وأرضاها 

الجمعة، 22 أبريل 2022

وفاة أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم



آخر مفاوضات قريش مع أبي طالب قبل وفاته 

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشعب يدعو إلى الله تعالى وعادت قريش لشر ما  كانت عليه من الكفر والصد عن سبيل الله وإيذاء للمسلمين وظل أبو طالب يحوط النبي بعنايته وحمايته حتى اشتد به المرض فخافت قريش أن يموت أبو طالب وتعيرهم العرب بعد ذلك إن ألحقوا الأذى بالنبي بعد موت عمه ويقولون تركوه حتى مات عمه نالوا منه!

فاتفقوا على الذهاب مرة أخرى لأبي طالب ليفاوضوه وليجد لهم حلا مع ابن أخيه فقد خافوا من انتشار الدعوة الإسلامية بعد إسلام حمزة وعمر وانتشار خبر الدعوة خارج مكة مع وفود الحجاج 

فمشى إليه أشراف قريش ومنهم عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ، إنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى، وَتَخَوَّفْنَا عَلَيْكَ، وَقَدْ عَلِمْتَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَادْعُهُ، فَخُذْ لَهُ مِنَّا، وَخُذْ لَنَا مِنْهُ، لِيَكُفَّ عَنَّا، وَنَكُفَّ عَنْهُ، وَلِيَدَعَنَا وَدِينَنَا، وَنَدَعَهُ وَدِينَهُ، فَبَعَثَ إلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، فَجَاءَهُ، فَقَالَ: يَابْنَ أَخِي؛ هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ قَوْمِكَ، قَدِ اجْتَمَعُوا لَكَ، لِيُعْطُوكَ، وَلِيَأْخُذُوا مِنْكَ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ، كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تُعْطُونِيهَا تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ، وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ». 

قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: نَعَمْ وَأَبِيكَ، وَعَشْرَ كَلِمَاتٍ. 

قَالَ: «تَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ. وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ». 

 فَصَفَّقُوا بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ قَالُوا: أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَجْعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا وَاحِدًا، إنَّ أَمْرَكَ لَعَجَبٌ! ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: إنَّهُ وَاللهِ مَا هَذَا الرَّجُلُ بِمُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِمَّا تُرِيدُونَ، فَانْطَلِقُوا وَامْضُوا عَلَى دِينِ آبَائِكُمْ، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ. قَالَ: ثُمَّ تَفَرَّقُوا 

فأنزل الله تعالى: صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ  بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٖ وَشِقَاقٖ  كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ  وَعَجِبُوٓاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٞ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا سَٰحِرٞ كَذَّابٌ  أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ  وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ  مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ

وَفَاةُ أَبِي طَالِبٍ 

وَلَمْ يَلْبَثْ أَبُو طَالِبٍ أَنْ وَافَتْهُ المَنِيَّةُ، وكَانَتْ وَفَاتُهُ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنَ الشِّعْبِ في آخِرِ السَّنَةِ
العَاشِرَةِ مِنَ المَبْعَثِ، وذَلِكَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ سَنَة.

ولَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ  دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وعَبْدُ اللَّهُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ في نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَيْ عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَة أُحَاجُّ  لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ" فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟

فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ" .


 وهنا وقفة عظيمة وتدبر مع النفس فهذا أبو طالب عم النبي الذي كان يحبه حبا شديدا ويحميه وينصره ويدافع عنه يموت مشركا رغم محاولات النبي صلى الله عليه وسلم لهدايته للإسلام وذلك أن الهداية إنما هي من الله وأن الله وحده يعلم المستحق للهداية وليس للبشر سلطان على أحد يقول الله تعالى "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء''

فبالرغم من حب أبو طالب للنبي إلا أنه كان  باقيا على دينه وعلى ملة قريش رافضا الدخول في
 الإسلام خوفا من معايرة قريش له إن ترك دين آبائه وحين حضرته الوفاة كان جليسه أبو  لهب جليس السوء لم يتركه حتى مات مشركا 
.  نعوذ بالله من الضلال ومن رفقة السوء
نلتقي في الحلقة القادمة إن شاء الله مع وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها 
تابعونا بارك الله فيكم 

الثلاثاء، 1 مارس 2022

مقاطعة قريش بني هاشم وحصارهم في الشِّعب لمدة ثلاث سنوات


 
مقاطعة قريش بني هاشم وحصار الشعب 



لما رأت قريش أن أمر الإسلام ينتشر ويعلو وأن أساليبها كلها للقضاء على الإسلام قد باءت بالفشل وأن المفاوضات لم تعد تجدي نفعا أجمعوا أمرهم على المقاطعة فاجتمعوا واتفقوا أن يكتبوا صحيفة فيها ألا يتزوجوا من بني هاشم وبني عبد المطلب ولا يزوجوهم ولا يبيعوا لهم ولا يشتروا منهم وأن يضيقوا عليهم معيشتهم ولا يخالطوهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله .

فاجتمع أبو طالب ببني هاشم وبني عبد المطلب ودعاهم لحماية النبي من بطش قريش واتفقوا أن يدخلوا في الشِّعب وهو طريق بين جبلين فيقيموا به ليستطيعوا حماية النبي فدخلوا جميعا إلا أبو لهب فلم يدخل معهم وانحاز إلى قريش .

وبقى رسول الله والمسلمون في الشعب ثلاث سنين وكان أبو طالب يخاف على النبي كثيرا ويحاوطه ليحميه من أي أذى . واشتد عليهم البلاء والجهد فقد قطعت قريش عنهم الطعام والمؤن حتى كادوا أن يهلكوا من الجوع وكانت قريش تشتري السلع من التجار بأضعاف قيمتها حتى لا يبيعوها إلى المسلمين وكانت تراقب الطرق حتى لا يستطيع أحد إدخال أي معونة داخل الشعب حتى اضطر المحاصرون إلى أكل أوراق الشجر والجلود ومات منهم من مات 

وكان الأطفال لا يكفون عن البكاء من شدة الجوع 

 ولم يكن يستطيع أحد من خارج الشعب أن يساعد المحاصرين إلا سرا خوفا من قريش فكان حكيم بن حزام ابن أخي السيدة خديجة وهشام بن عمرو العامري يصلون أهل الشعب فكانوا يرسلون البعير محملا بالطعام ليلا ويسوقونه باتجاه الشعب ثم يتركونه فيصل إلى المحاصرين   

ومع كل ذلك كان رسول  الله صلى الله عليه وسلم يدعو قومه ليلا ونهارا ويحثهم على الصبر ويبشرهم بأن فرج الله قريب 

 وظلوا في الحصار ثلاث سنوات حتى قام بعض أهل قريش من أصحاب المروءة  ومنهم هشام بن عمرو بن ربيعة فذهب إلى زهير بن أبي أمية المخزومي وقال له أرضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتتزوج وتبيع وتشتري وأخوالك محاصرين في الشعب ؟!!

فقال له زهير والله لا أرضى ولكنني رجل واحد !

لو كان معي رجل ثان لقمت إلى الصحيفة ونقضتها فقال له هشام أنا معك 

قال نريد ثالثا فذهبوا إلى المطعم بن عدي وعرضوا عليه الأمر فوافقهم ثم ذهب إلى أبي البختري بن هشام فانضم إليهم وكذلك وافقهم زمعة بن الأسود بن المطلب واتفقوا على أن يتكلموا مع  سادة قريش في اليوم التالي 

وبالفعل اجتمعوا مع قريش وقام زهير وتكلم بأنه لا يرضى بما يحدث لبني عبد المطلب وقال والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة فقام له أبو جهل وقال له كذبت والله لا تشق ! فقام إليه زمعة وقال له أنت والله أكذب ما رضينا كتابتها حيث كتبت .وقام البختري فأيد كلامه وقام المطعم فقال مثلهم فقال لهم أبو جهل إنما هذا أمر قد اتفقتم عليه من قبل !! 

واشتد النزاع بينهم حتى رأوا أبا طالب ومعه نفر من قومه خارجين من الشعب إلى المسجد فظنوا أنهم قد استسلموا من شدة البلاء وأتوا ليسلموا النبي ولكن أبا طالب كان قد علم من النبي صلى الله عليه وسلم أن الله أخبره أن الصحيفة التي بداخل الكعبة قد أكلتها الأرضة"وهي نوع من الحشرات آكلة الورق والخشب" ولم يبق منها إلا اسم الله 

 فقال لهم أبو طالب إن ابن أخي قد أخبرني أن صحيفتكم قد أكلتها الأرضة ولم يبق منها إلا "باسمك اللهم" فانظروا إليها فلما فتحوها وجدوها كما أخبر النبي فنُكسوا على رؤوسهم ثم قالوا هذا سحر ابن أخيك !! 

فقال لهم أبو طالب يا معشر قريش علام نُحبس ونُحصر ثم دخل ومن معه عند الكعبة وقام يدعوا اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا ثم انصرفوا إلى الشعب . 

فقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة فمزقها ثم ذهب هو ومن وافقه على نقض الصحيفة فلبسوا السلاح وذهبوا إلى المحاصرين فطلبوا منهم أن يعودوا إلى منازلهم وانتهى الحصار وكان خروجهم في أواخر السنة العاشرة من البعثة .