رحلة المعراج
انتهينا في الحلقة السابقة من المشاهد التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء رحلة الإسراء وبعدما وصل إلى المسجد الأقصى صلى ركعتين.
مدونة لنشر سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأحاديثه ومواقفه وشمائله لتعريف المسلمين بنبيهم ولتعريف غير المسلمين بنبي الإسلام .
رحلة المعراج
انتهينا في الحلقة السابقة من المشاهد التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء رحلة الإسراء وبعدما وصل إلى المسجد الأقصى صلى ركعتين.
نكمل معا رحلة الإسراء والمعراج وما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشاهد في طريقه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
المَشْهَدُ الحَادِي عَشَر
نتابع معا رحلة الإسراء والمعراج
توقفنا في الحلقة السابقة عند المشاهد التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
المَشْهَدُ الثَّالِثُ
المَشْهَدُ السَّابعُ:
رحلة الإسراء والمعراج
جَاءَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ تَثْبِيتًا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتَكْرِيمًا لَهُ فِي أَعْقَابِ سِنِينَ طَوِيلَةٍ مِنَ الدَّعْوَةِ، والصَّبْرِ عَلَى أَذَى المُشْرِكِينَ واضْطِهَادِهِمْ، ونُكْرَانِهِمْ، وجَفَائِهِمْ
جاءت بعد أحداث عصيبة مرت على رسول الله من موت عمه أبي طالب وموت زوجته السيدة خديجة وخروجه من مكة إلى الطائف وتكذيب أهل الطائف له وما حدث له فيها كما ذكرنا في الحلقة السابقة
جاءت تكريما له وكأن الله عز وجل يقول لا تحزن فإن كان أهل الأرض قد كذبوك وآذوك فإن أهل السماء. يرحبون بك
والمقصود بالإسراء هو السير ليلا ويُقْصَدُ بِالْإِسْرَاءِ هُنَا: الرِّحْلَةُ التِي أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا نَبِيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ بِمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إلى المَسْجِدِ الأَقْصَى بِالقُدْسِ
أَمَّا المِعْرَاجُ: فَهُوَ مَا أَعْقَبَ هَذِهِ الرِّحْلَةَ مِنَ العُرُوجِ بِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى السَّمَوَاتِ العُلَا حَتَّى الوُصُولِ إِلَى مُسَتَوَى تَنْقَطِعُ عِنْدَهُ عُلُومُ الخَلَائِقِ.
وَقَدْ أشَارَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ إِلَى تِلْكَ الحَادِثَةِ فِي سُورَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الإِسْرَاءِ فِي سُورَةِ الإِسْرَاءِ، قَالَ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2).
وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قِصَّةَ المِعْرَاجِ فِي سُورَةِ النَّجْمِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}
الإِسْرَاءُ والمِعْرَاجُ بِالجَسَدِ والرُّوحِ:
الصَّحِيحُ أَنَّ الإِسْرَاءَ والمِعْرَاجَ كَانَ بِجَسَدِهِ ورُوحِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم
وقد أُسري به عليه الصلاة والسلام يقظة لا مناما ببدنه وروحه وقد كانت هذه الحادثة من معجزات النبي التي صعب على المشركين تصديقها
أما عن تفاصيل الرحلة فقد جاء جبريل إلى النبي وهو نائم عند الكعبة فشق صدره واستخرج قلبه وغسله في إناء من ذهب مملوءة بالإيمان ثم أعاده إلى مكانه وأتاه بدابة تسمى البراق والبُرَاقَ مشتق من البريق فقد كانت دابة بيضاء لها بريق ولمعان وقيل مشتق من البرق لسرعتها فقد وصف رسول الله سرعة البراق قائلا أنه يضع حافره عند منتهى بصره..
فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَرْكَبَهُ، اسْتَصْعَبَ عَلَيْهَ، فَقَال لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أبِمُحَمَّدٍ تَفْعَل هَذَا؟ فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ، قَالَ: "فَارْفَضَّ عَرَقًا أي سال عرقه وهدأ وسكن واستطاع رسول الله أن يركبه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرَكِبْتُهُ -أَيِ الْبُرَاقُ- حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ ، فَرَبَطْتُهُ بِالحَلْقَةِ التِي يَرْبِطُ بِهَا الأَنْبِيَاءُ
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى بيت المقدس بعض المشاهد
المَشْهَدُ الأَوَّلُ
رَوَى الإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرَأَى عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ يَطْلُبُهُ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ، كُلَّمَا الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَآهُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَفَلَا أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ، إِذَا قُلْتَهُنَّ طُفِئَتْ شُعْلَتُهُ وَخَرَّ لِفِيهِ (أي سقط على وجهه )؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَلَى" فَقَالَ جِبْرِيلُ: فَقُلْ: أعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الكَرِيمِ، وبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ اللَّاتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءَ، وشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وشَرِّ مَا ذَرَأَ (خلق) فِي الأَرْضِ، وشَرِّ مَا يَخْرُجُ فِيهَا، ومِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ، ومِنْ طَوَارِقِ (حوادث الليل ) اللَّيْلِ والنَّهَارِ، إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ
المَشْهَدُ الثَّانِي:
رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الدَّجَّالَ، فَقَدْ رَوَى الإِمَام أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صحِيحٍ عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ فَقَالَ: . . . وَرَأَى الدَّجَّالَ فِي صُورَتِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ. . . فَسُئِلَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الدَّجَّالِ؟ فَقَالَ: "رَأَيْتُهُ فَيْلَمَانِيًّا ( أي عظيم الجسم)، أَقْمَرَ (شديد البياض) هِجانًا (أبيض)، إِحْدَى عَيْنَيْهِ قَائِمَةٌ (أي في مكانها الصحيح) كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، كأَنَّ شَعْرَ رَأْسِهِ أغْصَانُ شَجَرَةٍ"
تابعوا معنا الحلقة القادمة نكمل معا رحلة الإسراء والمعراج وما حدث فيها
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحلقة التالية هنا
دُخُولُ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وسلم مَكَّةَ فِي جِوَارِ المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ
خُرُوجُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الطَّائِفِ
لَمَّا اشتد أذى قُرَيْشٍ عَلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْدَ أَنْ صَارَ وَحِيدًا بِلَا نَصِيرٍ يَحْمِيهِ ويُؤْوِيهِ مِنَ النَّاسِ،ولا رفيقة تهون عليه ما يلاقيه ورأى زهد قُرَيْشٌ في الإِسْلَامِ وانصرافهم عن دعوته ,وعداوتهم له وللمسلمين بَدَأَ يُفَكِّرُ بِالخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهِ نَصِيرًا، وقَبُولًا، واسْتِجَابَةً لِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الطَّائِفِ حيث قبيلة ثقيف وهي المركز الثاني للقوة والسيادة في الحجاز بعد مكة ليَلْتَمِسُ نُصْرَتَهُمْ،ويدعوهم للإسلام وكان يرجو أن يهديهم الله تعالى فيستجيبوا دعوته وَالطَّائِفُ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَهَا وبَيْنَ مَكَّةَ اليَوْمَ (80) كيلُو مِتر تَقْرِيبًا
* وُصُولُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الطَّائِفِ
فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الطَّائِفِ عَمَدَ إِلَى نَفَرٍ مِنْ ثَقِيفٍ، هُم
يَوْمَئِذٍ سَادَةُ ثَقِيفٍ وأَشْرَافُهُمْ، وهُمْ إِخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ يَالِيلَ بنُ عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ، ومَسْعُودُ بن عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ، وحَبِيبُ بنُ عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ ، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وكَلَّمَهُمْ بِمَا جَاءَهُمْ لَهُ مِنْ نُصْرَتِهِ عَلَى الإِسْلَامِ، والقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالفهُ مِنْ قَوْمِهِ
فَقَال أحَدُهُمْ: هُوَ يَمْرُطُ أي يمزق ثِيَابَ الكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللَّهُ أرْسَلَكَ والمعني أنه لا يصدق النبي فيما يقوله
وقَال الثَّانِي: أمَا وَجَدَ اللَّهُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرُكَ؟وَقَالَ الثَّالِثُ: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا، لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنَ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ لَأَنْتَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ الكَلَامَ، ولَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُكَلِّمَكَ
فَلَمَّا يَئِسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- منْهم، قَالَ لَهُمْ: "إِذَا فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنِّي"،أي لا تخبروا أحدا برفضكم دعوتي فقد كَرِهَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَبْلُغَ قَوْمَهُ خَبَرَ قُدُومِهِ عَلَى الطَّائِفِ فَيَجْتَرِؤُا عَلَيْهِ وَتَزْدَادَ عَدَاوَتُهُمْ وَشَمَاتَتُهُمْ، ولَكِنَّ القَوْمَ لَمْ يَفْعَلُوا، وقَالُوا لَهُ: اخْرُجْ مِنْ بَلَدِنَا، وأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وعَبِيدَهُمْ، فَجَعَلُوا يَسُبُّونَهُ ويَصِيحُونَ بِهِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وقَعَدُوا لَهُ صَفَّيْنِ عَلَى طَرِيقِهِ، وأخَذُوا يلقونه بالحجارة حتى دميت قدماه وكَانَ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه- يَقِيهِ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَقَدْ أصَابَهُ شق في رَأْسِهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ السُّفَهَاءُ حَتَّى احتمى بحائط أي ببستان لِعُتْبَةَ وشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وهم من سادات قريش ، فَلَمَّا دَخَلَ الحَائِطَ رَجَعَ عَنْهُ مَنْ كَانَ يَتْبَعُهُ مِنْ سُفَهَاءَ ثَقِيفٍ، وعَمَدَ إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ مِنْ عِنَبٍ، فَجَلَسَ فِيهِ هُوَ وزَيْدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه
فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الْحَائِطِ تَوَجَّهَ إِلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى بِهَذَا الدُّعَاءِ المَشْهُورِ الذي تفيض له الأعين بالدموع كلما قرأناه فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-:
"اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي (أي يَلْقَاني بالغِلْظَةِ والوجهِ الكَرِيهِ)؟ ! أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ ! إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وصَلَحَ عَلَيْهِ أمْرُ الدُّنْيَا والَآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ. لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"
* قِصَّةُ عَدَّاسٍ
صور من إيذاء المشركين للنبي بعد وفاة عمه
بعد وفاة أبو طالب والسيدة خديجة توالت المصائب والأحزان على رسول الله ونالت قريش منه من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابًا، ودخل بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه فاطمة فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها : ( لا تبكى يابنية، فإن الله مانع أباك ) ويقول بين ذلك : ( ما نالت منى قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب )
يروي لنا عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ ويقول: سَأَلْتُ ابنَ عَمْرِو بنِ العَاصِ أخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَئٍ صَنَعَهُ المُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي في حِجْرِ الكَعْبَةِ، إِذْ أقْبَلَ عُقْبَةُ بنُ أَبِي مُعَيْط -لَعَنَهُ اللَّهُ- فَوَضَعَ ثَوْبَهُ في عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكبِهِ ودَفَعَهُ عَنِ النَبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَقَالَ: {أَتَقَتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِيَ اللَّهُ}
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وأَبُو جَهْلٍ وأصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، أيُّكُّمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ "أي أحشاء بعير" بَنِي فُلَانٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ، فَانْبَعَثَ أشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، وهُوَ عُقْبَةُ بنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فنَظَرَ حَتَّى إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ "أي أحد يحميني"
قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ، وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ"أي يتمايلون من شدة الضحك"، ورَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ
حَتَّى جَاءَتْهُ فاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُم عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ.
ومِمَّا لَقِيَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ المُشْرِكِينَ أيضا يرويه لنا أَبِو هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- فيقول: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ " أي يسجد لربه أمامكم على التراب" فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ: واللَّاتِ وَالعُزَّى! لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَن عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ في التُّرَابِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه-: فَأتى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهُوَ يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ "يتراجع مسرعا" ويَتَّقِي بَيَدَيْهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَالَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا، وأجْنِحَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطفَتْهُ المَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا" ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)سورة العلق}
ولم تزل قريش تؤذي رسول الله وأصحابه وهو صابر مقيم على دعوته لا ييأس من هدايتهم مشفقا عليهم من جهلهم وكفرهم ويدعو لهم"اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"
صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله
الحَيَاةُ فِي المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ يُمْكِنُ تَقْسِيمُ العَهْدِ المَدَنِيِّ إلى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ: ١ - مَرْحَلَةٌ أُثِيرَتْ فِيهَا الق...