خُرُوجُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الطَّائِفِ
لَمَّا اشتد أذى قُرَيْشٍ عَلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْدَ أَنْ صَارَ وَحِيدًا بِلَا نَصِيرٍ يَحْمِيهِ ويُؤْوِيهِ مِنَ النَّاسِ،ولا رفيقة تهون عليه ما يلاقيه ورأى زهد قُرَيْشٌ في الإِسْلَامِ وانصرافهم عن دعوته ,وعداوتهم له وللمسلمين بَدَأَ يُفَكِّرُ بِالخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهِ نَصِيرًا، وقَبُولًا، واسْتِجَابَةً لِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الطَّائِفِ حيث قبيلة ثقيف وهي المركز الثاني للقوة والسيادة في الحجاز بعد مكة ليَلْتَمِسُ نُصْرَتَهُمْ،ويدعوهم للإسلام وكان يرجو أن يهديهم الله تعالى فيستجيبوا دعوته وَالطَّائِفُ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَهَا وبَيْنَ مَكَّةَ اليَوْمَ (80) كيلُو مِتر تَقْرِيبًا
* وُصُولُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الطَّائِفِ
فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الطَّائِفِ عَمَدَ إِلَى نَفَرٍ مِنْ ثَقِيفٍ، هُم
يَوْمَئِذٍ سَادَةُ ثَقِيفٍ وأَشْرَافُهُمْ، وهُمْ إِخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ يَالِيلَ بنُ عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ، ومَسْعُودُ بن عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ، وحَبِيبُ بنُ عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ ، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وكَلَّمَهُمْ بِمَا جَاءَهُمْ لَهُ مِنْ نُصْرَتِهِ عَلَى الإِسْلَامِ، والقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالفهُ مِنْ قَوْمِهِ
فَقَال أحَدُهُمْ: هُوَ يَمْرُطُ أي يمزق ثِيَابَ الكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللَّهُ أرْسَلَكَ والمعني أنه لا يصدق النبي فيما يقوله
وقَال الثَّانِي: أمَا وَجَدَ اللَّهُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرُكَ؟وَقَالَ الثَّالِثُ: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا، لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنَ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ لَأَنْتَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ الكَلَامَ، ولَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُكَلِّمَكَ
فَلَمَّا يَئِسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- منْهم، قَالَ لَهُمْ: "إِذَا فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنِّي"،أي لا تخبروا أحدا برفضكم دعوتي فقد كَرِهَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَبْلُغَ قَوْمَهُ خَبَرَ قُدُومِهِ عَلَى الطَّائِفِ فَيَجْتَرِؤُا عَلَيْهِ وَتَزْدَادَ عَدَاوَتُهُمْ وَشَمَاتَتُهُمْ، ولَكِنَّ القَوْمَ لَمْ يَفْعَلُوا، وقَالُوا لَهُ: اخْرُجْ مِنْ بَلَدِنَا، وأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وعَبِيدَهُمْ، فَجَعَلُوا يَسُبُّونَهُ ويَصِيحُونَ بِهِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وقَعَدُوا لَهُ صَفَّيْنِ عَلَى طَرِيقِهِ، وأخَذُوا يلقونه بالحجارة حتى دميت قدماه وكَانَ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه- يَقِيهِ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَقَدْ أصَابَهُ شق في رَأْسِهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ السُّفَهَاءُ حَتَّى احتمى بحائط أي ببستان لِعُتْبَةَ وشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وهم من سادات قريش ، فَلَمَّا دَخَلَ الحَائِطَ رَجَعَ عَنْهُ مَنْ كَانَ يَتْبَعُهُ مِنْ سُفَهَاءَ ثَقِيفٍ، وعَمَدَ إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ مِنْ عِنَبٍ، فَجَلَسَ فِيهِ هُوَ وزَيْدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه
فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الْحَائِطِ تَوَجَّهَ إِلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى بِهَذَا الدُّعَاءِ المَشْهُورِ الذي تفيض له الأعين بالدموع كلما قرأناه فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-:
"اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي (أي يَلْقَاني بالغِلْظَةِ والوجهِ الكَرِيهِ)؟ ! أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ ! إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وصَلَحَ عَلَيْهِ أمْرُ الدُّنْيَا والَآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ. لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"
* قِصَّةُ عَدَّاسٍ