‏إظهار الرسائل ذات التسميات من مبعث النبي وحتي الهجرة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من مبعث النبي وحتي الهجرة. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 1 سبتمبر 2022

رحلة الإسراء والمعراج الجزء الرابع

رحلة المعراج


 انتهينا في الحلقة السابقة من المشاهد التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء رحلة الإسراء وبعدما وصل إلى المسجد الأقصى صلى ركعتين. 

 صُعُودُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي المِعْرَاجِ إِلَى السَّمَاوَاتِ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: ". . . ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي -أَيْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَعَرَجَ (العروج هو الصعود) بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِخَازِنِ 
السَّمَاءِ: افْتَحْ" . فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قَالَ: وَمَنْ مَعَكَ؟.
قَالَ: مُحَمَّدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم
فَقَالَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إليه ( أي أرسل إليه للإسراء وصُعُود السموات؟ وليس السؤال عن البعثة
: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِه، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ لنا
قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَنْ يَمِينهِ أسْوِدَةٌ ( أشخاص ) وَعَن يَسَاور أَسْوِدَةٌ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ"؟
قَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَام 
ثُمَّ قَالَ: مَرْحبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ قَالَ جِبْرِيلُ:
 وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ 
(جمع نَسَمة وهي الروح)، فَأَهْلُ 
اليَمِينِ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ التِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَل يَمِينِهِ ضَحِكَ، وإذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى 

 المَشَاهِدُ التِي شَاهَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا

 - حَالُ أَكَلَةِ أمْوَالِ اليَتَامَى ظُلْمًا

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَمَّا دَخَلْتُ السَّمَاءَ الدُّنْيَا. . . رَأَيْتُ رِجَالًا لَهُمْ مَشَافِرُ (جمع مِشْفَر، والمِشْفَرُ للبعيرِ كالشَّفَةِ للإنسان) كَمَشَافِرِ الإِبِلِ، فِي أَيْدِيهِمْ قِطَعٌ مِنْ نَارٍ كَالأَفْهَارِ (الأفْهَارُ: جمع فِهْرٍ، وهو الحَجَرُ مِلْءُ الكف) يَقْذِفُونَهَا فِي أَفْوَاهِهِمْ فَتَخْرُجُ مِنْ أدْبَارِهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ ".
قَالَ: هَؤُلَاءِ، أَكَلَةُ أمْوَالِ اليَتَامَى ظُلْمًا

 حَالُ النِّسَاءِ اللَّاتِي يُدْخِلْنَ عَلَى الأَزْوَاجِ مَا لَيْس مِنْهُم

قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثُمَّ رَأَيْتُ نِسَاءً مُعَلَّقَاتِ بِثَدْيِهِنَّ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءَ يَا جِبْرِيلُ؟ ".
قَالَ: هَؤُلَاءِ اللَّاتِي أَدْخَلْنَ عَلَى الرِّجَالِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ 

  حَالُ المُغْتَابِينَ 
 الغِيبة فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم
 فقال"أتَدْرُون ما الغِيبَةُ؟ "، قَالُوا: اللَّهُ ورسوله أعلم، قال رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذِكْرُكَ أخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ".

رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِه، وأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمِشُونَ (يَخْدِشُونَ) وُجُوهَهُمْ وصُدُروَهُمْ،
 فَقُلْتُ، مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ ".
قَالَ: هَؤُلَاءِ الذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، ويَقَعُونَ فِي أعْرَاضِهِمْ .

حَالُ الزُّنَاةِ

قَالَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثُمَّ رَأَيْتُ رِجَالًا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ سَمِينٌ طَيِّبٌ، إِلَى جَنْبِهِ لَحْمٌ غَثٌّ (الضَّعيف المَهْزُول) مُنْتِنٌ (رائحته كريهة) ، فَيَأْكُلُونَ مِنَ الغَثِّ المُنْتِنِ، ويَتْرُكُونَ السَّمِينَ الطَّيِّبَ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ ".
قَالَ: هَؤُلَاءِ الذِينَ يَتْرُكُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ، وَيَذْهَبُونَ إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْهُنَّ 

 حَالُ أَكلَةِ الرِّبَا

قَالَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثُمَّ رَأَيْتُ رِجَالًا لَهُمْ بُطُونٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا قَطُّ
وَفِي رِوَايَةٍ: "بُطُونُهُمْ أَمْثَالُ البُيُوتِ بِسَبِيلِ ( السبيل هو الطريق) آلِ فِرْعَوْنَ يَمرُّونَ عَلَيْهِمْ كَالإِبِلِ المَهْيُومَةِ (الهُيَامُ: هو دَاءٌ يُشْبِهُ الحُمَّى يأخذُ الإبلَ فيُكْسِبُهَا العَطَشَ الشَّديدَ، فتَهِيمُ في الأرض لا تَرْوَى ولا تَرْعى حتى تَهْلِكَ) حِينَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ، يَطَؤُونَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْ مَكَانِهِمْ ذَلِكَ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ "، قَالَ: هَؤُلَاءَ أَكَلَةُ الرِّبَا


ثم صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية فماذا رأى فيها 
تابعونا في الحلقة القادمة إن شاء الله 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  الحلقة التالية 👈 هنا
 

الجمعة، 26 أغسطس 2022

رحلة الإسراء والمعراج الجزء الثالث

 نكمل معا رحلة الإسراء والمعراج وما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشاهد في طريقه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.



 المَشْهَدُ الحَادِي عَشَر


ثُمَّ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى جُحْرٍ صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ ثَوْرٌ عَظِيمٌ، فَجَعَلَ الثَّوْرُ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ فَلَا يَسْتَطِيعُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ "، قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ عَظِيمَةٍ، ثُمَّ يَنْدَمُ عَلَيْهَا فَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَا يَسْتَطِيعُ

المَشْهَدُ الثَّانِي عَشَرَ

وَكُشِفَ لَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ حَالِ آكِلِ الرِّبَا فِي دَارِ الجَزَاءِ بِضَرْبِ مِثَالٍ: فَرَأَى رَجُلًا يَسْبَحُ فِي نَهْرٍ مِنْ دَمٍ، ويُلْقَمُ الحِجَارَةَ، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا آكِلُ الرِّبَا( أخرجه الإمام أحمد)

المَشْهَدُ الثَّالِثَ عَشَرَ

ثُمَّ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ
 مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "أَتَيْتُ أَوْ مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْريَ بِي عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ"

صَلَاةُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِالأَنْبِيَاء عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ

ثُمَّ وَصَلَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى (والمسجد الأقْصَى هو بيتُ المَقْدِس، وسُمِّي الأقْصَى لِبُعْده عن المسجد الحرام في المَسَافَةِ، وقيل: لأنه لم يكن وراءَهُ مَسجد)، وَمَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَوَجَدَ الأَنْبِيَاءَ قَدْ جُمِعُوا لَهُ، فَقَدَّمَ جِبْرُيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَصَلَّى بِالأَنْبِيَاءِ إِمَامًا.

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ".
وَفِي رِوَايَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المَسْجِدَ الأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يُصَلُّونَ مَعَهُ 
 
مَتَى صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِالأَنْبِيَاء والسَّلَامُ 
كانَتْ قَبْلَ العُرُوجِ إِلَى السَّمَاوَاتِ 

بَيْنَمَا يَرَى الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ أَنَّ صَلَاتَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم بِالأَنْبِيَاء عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ كَانَتْ بَعْدَ العُرُوجِ إلى السَّمَاوَاتِ ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِنَّمَا
 اجْتَمَعَ بِالأَنْبِيَاءِ فِي السَّمَوَاتِ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ ثَانِيًا، وَهُمْ مَعَهُ، وَصَلَّى بِهِمْ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّهُ رَكِبَ البُرَاقَ وَكَرَّ رَاجِعًا إلى مَكَّةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

 عَرْضُ الآنِيَةِ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ

وبَعْدَ أَنْ فَرَغَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ صَلَاتِهِ بِالأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصلَاةُ والسَّلَامُ، أُتِيَ بِقَدَحَيْنِ أَحَدُهُمَا فِيهِ لَبَنٌ، وَالآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ.

فَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: ". . . ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكعَتَيْنِ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءِ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ (والحكمةُ في التَّخْيِير بين الخمرِ مع كونه حَرَامًا واللَّبَنِ مع كونِهِ حَلالًا؛ إِمَّا لأنَّ الخَمْرَ حِينَئِذٍ لم تكن حُرِّمت، أو لأنَّها من الجنة، وخمرُ الجنَّة ليست حَرَامًا.)،

فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ. . " (فسَّرُوا الفِطْرة هنا بالإِسلام والاستِقَامة، ومعنَاهُ واللَّه أعلم: اختَرْتُ عَلامَةَ الإِسلام والاستقامةِ، وجُعِلَ اللبن علامةً لكونه سَهْلًا طَيِّبًا طاهرًا سَائِغًا للشاربين، واللَّه أعلم)

نكمل معا في الحلقة القادمة إن شاء الله رحلة الإسراء والمعراج 
 وماذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم  أثناء عروجه إلى السماء 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحلقة التالية  هنا   




الاثنين، 22 أغسطس 2022

رحلة الإسراء والمعراج الجزء الثاني

 نتابع معا رحلة الإسراء والمعراج



توقفنا في الحلقة السابقة عند المشاهد التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى

المَشْهَدُ الثَّالِثُ

رَوَى البَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِهِ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ فِي حَدِيثِ الإِسْرَاءِ: . . . وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَإِذَا هُوَ بِعَجُوزٍ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، وفِي رِوَايَةٍ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذَا أنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَةٍ عَنْ ذِرَاعَيْهَا، وعَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ"، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْظِرْنِي أَسْأَلُكَ، فَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهَا، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: سِرْ يَا مُحَمَّدُ، فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسِيرَ، فَإِذَا شَيْءٌ يَدْعُوهُ مُتَنَحِّيًا عَنِ الطَّرِيقِ، يَقُولُ: هَلُمَّ يَا مُحَمَّدُ! ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: سِرْ يَا مُحَمَّدُ، فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسِيرَ، حَتَّى انْتَهَى إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، . . . ثُمَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَمَّا العَجُوزُ التِي رَأَيْتَ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا بِقَيَ مِنْ عُمُرِ تِلْكَ العَجُوزِ، وأَمَّا الذِي أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ 

 المَشْهَدُ الرَّابِع

وَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي طَرِيقِهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ رِيحَ قَبْرِ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ التِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ: مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ ".

قَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا.

قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟

قَالَ: بَيْنَا هِيَ تَمْشُطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ سَقَطَتْ المِدْرَى (المشط) مِنْ يَدِهَا، فَقَالَتْ: "بِسْمِ اللَّهِ". فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ.

قَالَتْ: أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ! قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا، فَقَالَ: يَا فُلَانَةُ، وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ.

قَالَ: فَأَمَرَ (بِنُقْرَةٍ القدر الذي يسخن فيه الماء وغيره) مِنْ نُحَاسٍ فَأَحْمِيَتْ، ثُمَّ أُمِرَ بِهَا أَنْ تُلَقَى هِيَ وَأَوْلَادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَتَدْفِنَّا، قَالَ: ذَاكَ لَكِ عَلَيْنَا، قَالَ: فَأَمَرَ بِأَوْلَادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَاحِدًا وَاحِدًا، إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، كَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ: قَالَ: يَا أُمَّه، اقْتَحِمِي(أي لا تخافي وادخلي) ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: تَكَلَّمَ أرْبَعَة وَهُمْ صِغَارٌ: ابْنُ مَاشِطَةِ اِبْنَةِ فِرْعَوْنَ، وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وصَاحِب جُرَيْجٍ، وَعِيسَى ابنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

المَشْهَدُ الخَامِسُ:

وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَالَ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ كُشِفَ لَهُ عَنْ حَالِهِمْ فِي دَارِ الجَزَاءِ بِضَرْبِ مِثَالِهِ، فَرَأَى قَوْمًا يَزْرَعُونَ فِي يَوْمٍ، وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْمٍ، كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ "، قَالَ: هَؤُلَاءِ المُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُضَاعَفُ لَهُمُ الحَسَنَةُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَمَا أَنْفَقُوا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ

 المَشْهَدُ السَّادِسُ:

وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ قَوْمًا تُرْضَخُ(أي تشق) رُؤُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ، كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لَا يُفْتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءَ؟ " قَالَ: هَؤُلَاءَ الذِينَ تَتَثَاقَلُ رُؤُوسُهُمْ عِنْدَ الصَّلَاةِ 

 المَشْهَدُ السَّابعُ:

ثُمَّ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ، وَعَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الأَنْعَامُ، وَيَأْكُلُونَ الضَّرِيعَ (نبات له شوك كبار )، والزَّقُّومَ (كل طعام يقتل )، وَرَضَفَ جَهَنَّمَ (الحِجَارة المُحَمَّاةُ على النار) , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ "، فَقَالَ: هَؤُلَاءَ الذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ. 


المَشْهَدُ الثَّامِنُ:

ثُمَّ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى خَشَبَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ، لَا يَمُرُّ بِهَا شَيْءٌ إِلَّا قَطَعَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا مَثَلُ أَقْوَامٍ مِنْ أُمَّتِكَ يَقْعُدُونَ عَلَى الطَّرِيقِ فَيَقْطَعُونَهَا، وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ}


 المَشْهَدُ التَّاسِعُ:

ثُمَّ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَهُوَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ رَجُلًا قَدْ جَمَعَ حِزْمَةَ حَطَبٍ عَظِيمَةً، لَا يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا، وهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِكَ تَكُونُ عِنْدَهُ أَمَانَاتُ النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا. 

المَشْهَدُ العَاشِرُ:

ثُمَّ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ، لَا يَفْتُرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- "يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَوُلَاءِ؟ "، قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ، يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ، وَيَنْسَوْنَ أنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ


نكمل مهما في الحلقة القادمة إن شاء الله  المشاهد التي رآها رسول الله حتى وصل إلى بيت المقدس 
تابعونا بارك الله فيكم 
الحلقة التالية   هنا      

الخميس، 18 أغسطس 2022

رحلة الإسراء والمعراج الجزء الأول



 رحلة الإسراء والمعراج 

 جَاءَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ تَثْبِيتًا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتَكْرِيمًا لَهُ فِي أَعْقَابِ سِنِينَ طَوِيلَةٍ مِنَ الدَّعْوَةِ، والصَّبْرِ عَلَى أَذَى المُشْرِكِينَ واضْطِهَادِهِمْ، ونُكْرَانِهِمْ، وجَفَائِهِمْ

جاءت بعد أحداث عصيبة مرت على رسول الله من موت عمه أبي طالب وموت زوجته السيدة خديجة وخروجه من مكة إلى الطائف وتكذيب أهل الطائف له وما حدث له فيها كما ذكرنا في الحلقة السابقة

جاءت تكريما له وكأن الله عز وجل يقول لا تحزن فإن كان أهل الأرض قد كذبوك وآذوك فإن أهل السماء. يرحبون بك

والمقصود بالإسراء هو السير ليلا ويُقْصَدُ بِالْإِسْرَاءِ هُنَا: الرِّحْلَةُ التِي أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا نَبِيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ بِمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إلى المَسْجِدِ الأَقْصَى بِالقُدْسِ

أَمَّا المِعْرَاجُ: فَهُوَ مَا أَعْقَبَ هَذِهِ الرِّحْلَةَ مِنَ العُرُوجِ بِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى السَّمَوَاتِ العُلَا حَتَّى الوُصُولِ إِلَى مُسَتَوَى تَنْقَطِعُ عِنْدَهُ عُلُومُ الخَلَائِقِ.


وَقَدْ أشَارَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ إِلَى تِلْكَ الحَادِثَةِ فِي سُورَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الإِسْرَاءِ فِي سُورَةِ الإِسْرَاءِ، قَالَ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2).


وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قِصَّةَ المِعْرَاجِ فِي سُورَةِ النَّجْمِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى

 الإِسْرَاءُ والمِعْرَاجُ بِالجَسَدِ والرُّوحِ:

الصَّحِيحُ أَنَّ الإِسْرَاءَ والمِعْرَاجَ كَانَ بِجَسَدِهِ ورُوحِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم

وقد أُسري به عليه الصلاة والسلام يقظة لا مناما ببدنه وروحه وقد كانت هذه الحادثة من معجزات النبي التي صعب على المشركين تصديقها

أما عن تفاصيل الرحلة فقد جاء جبريل إلى النبي وهو نائم عند الكعبة فشق صدره واستخرج قلبه وغسله في إناء من ذهب مملوءة بالإيمان ثم أعاده إلى مكانه وأتاه بدابة تسمى البراق  والبُرَاقَ مشتق من البريق فقد كانت دابة بيضاء لها بريق ولمعان وقيل مشتق من البرق لسرعتها  فقد وصف رسول الله سرعة البراق  قائلا أنه يضع حافره عند منتهى بصره.. 

فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَرْكَبَهُ، اسْتَصْعَبَ عَلَيْهَ، فَقَال لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أبِمُحَمَّدٍ تَفْعَل هَذَا؟ فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ، قَالَ: "فَارْفَضَّ عَرَقًا أي سال عرقه وهدأ وسكن واستطاع رسول  الله أن يركبه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرَكِبْتُهُ -أَيِ الْبُرَاقُ- حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ ، فَرَبَطْتُهُ بِالحَلْقَةِ التِي يَرْبِطُ بِهَا الأَنْبِيَاءُ  

 وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى بيت المقدس بعض المشاهد 

المَشْهَدُ الأَوَّلُ

رَوَى الإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرَأَى عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ يَطْلُبُهُ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ، كُلَّمَا الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَآهُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَفَلَا أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ، إِذَا قُلْتَهُنَّ طُفِئَتْ شُعْلَتُهُ وَخَرَّ لِفِيهِ (أي سقط على وجهه )؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَلَى" فَقَالَ جِبْرِيلُ: فَقُلْ: أعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الكَرِيمِ، وبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ اللَّاتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءَ، وشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وشَرِّ مَا ذَرَأَ (خلق) فِي الأَرْضِ، وشَرِّ مَا يَخْرُجُ فِيهَا، ومِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ، ومِنْ طَوَارِقِ (حوادث الليل ) اللَّيْلِ والنَّهَارِ، إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ

 المَشْهَدُ الثَّانِي:

رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الدَّجَّالَ، فَقَدْ رَوَى الإِمَام أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صحِيحٍ عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ فَقَالَ: . . . وَرَأَى الدَّجَّالَ فِي صُورَتِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ. . . فَسُئِلَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الدَّجَّالِ؟ فَقَالَ: "رَأَيْتُهُ فَيْلَمَانِيًّا ( أي عظيم الجسم)، أَقْمَرَ (شديد البياض) هِجانًا (أبيض)، إِحْدَى عَيْنَيْهِ قَائِمَةٌ (أي في مكانها الصحيح) كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، كأَنَّ شَعْرَ رَأْسِهِ أغْصَانُ شَجَرَةٍ" 

 تابعوا معنا الحلقة القادمة نكمل معا رحلة الإسراء والمعراج وما حدث فيها 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحلقة التالية هنا  

الاثنين، 25 يوليو 2022

كيف دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة بعد رحلة الطائف؟

 دُخُولُ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وسلم مَكَّةَ فِي جِوَارِ المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ

 
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَكَّةَ، وقَوْمُهُ أشَدُّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ، وفِرَاقِ دِينِهِ.فَلَمَّا أَرَادَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- دُخُولَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه-: كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أخْرَجُوكَ؟ 

فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا زَيْدُ! إِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا ومَخْرَجًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُ دِينِهِ، ومُظْهِرُ نَبِيِّهِ".

ثُمَّ انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى حِرَاءٍ، فَبَعَثَ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ هُوَ: عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُرَيْقِطٍ إلى الأَخْنَسِ بنِ شَرِيقٍ لِيُجِيرَهُ "أي ليحميه من بطش قريش" ، فَقَالَ الأَخْنَسُ: أنَا حَلِيفُ قُرَيْشٍ، وَرَفَضَ إِجَارَةَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.


فَبَعَثَ إِلَى سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو لِيُجِيرَهُ، فَقَالَ سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو: إِنَّ بَنِي عَامِرِ بنِ لُؤَيٍّ لَا تُجِيرُ عَلَى بَنِي كَعْبٍ، ورَفَضَ سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو أَنْ يُجِيرَ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

فَبَعَثَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ لِيُجِيرَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ المُطْعِمُ: نَعَمْ وَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بنِ أُرَيْقِطٍ: قُلْ لِمُحَمَّدٍ فَلْيَأْتِ.


فَرَجَعَ إلى الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَبَاتَ عِنْدَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا أصْبَحَ خَرَجَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ، وَقَدْ لَبِسَ سِلَاحَهُ هُوَ وبَنُوهُ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ فَدَخَلُوا المَسْجِدَ، وَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: طُفْ، وأَمَرَ بَنِيهِ أَنْ يَكُونُوا عِنْدَ أرْكَانِ البَيْتِ لِحِمَايَةِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

فَهُنَا أقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ إلى المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ، وَقَالَ لَهُ: أَمُجِيرٌ أَمْ تَابعٌ (يريد التأكد هل دخل المطعم في دين الإسلام أم أنه يجيره فقط كعادة العرب)؟ 

فَقَالَ المُطْعِمُ: بَلْ مُجِيرٌ.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتَ. فَجَلَسَ مَعَهُ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ طَوَافَهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- انْصَرَفُوا مَعَهُ، ورَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ إلى مَجْلِسِهِ .


وَفَاءُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِلْمُطْعِمِ بنِ عَدِيّ:

وَلِهَذَا الصَّنِيعِ الذِي فَعَلَهُ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي أُسَارَى بَدْرٍ: "لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلَاءِ لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ" "أي بغير فداء"
وعاد رسول الله ليكمل دعوته في نشر الدين رغم كل الصعاب التي يلقاها ولكن الله أراد أن يُكرم نبيه ويُريه أنه إن كان أهل الأرض قد كذبوك وطردوك فإن أهل السماء يرحبون بك ويصدقونك  فكانت رحلة الإسراء والمعراج العظيمة 
سنتعرف على تفاصيلها في الحلقة القادمة إن شاء الله 



الجمعة، 15 يوليو 2022

أصعب وأشد يوم مر على رسول الله "يوم الطائف"

 خُرُوجُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الطَّائِفِ

لَمَّا اشتد أذى قُرَيْشٍ عَلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْدَ أَنْ صَارَ وَحِيدًا بِلَا نَصِيرٍ يَحْمِيهِ ويُؤْوِيهِ مِنَ النَّاسِ،ولا رفيقة تهون عليه ما يلاقيه ورأى زهد قُرَيْشٌ في الإِسْلَامِ وانصرافهم عن دعوته ,وعداوتهم له وللمسلمين بَدَأَ يُفَكِّرُ بِالخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهِ نَصِيرًا، وقَبُولًا، واسْتِجَابَةً لِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الطَّائِفِ حيث قبيلة ثقيف وهي المركز الثاني للقوة والسيادة في الحجاز بعد مكة  ليَلْتَمِسُ نُصْرَتَهُمْ،ويدعوهم للإسلام وكان يرجو أن يهديهم الله تعالى فيستجيبوا دعوته وَالطَّائِفُ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَهَا وبَيْنَ مَكَّةَ اليَوْمَ (80) كيلُو مِتر تَقْرِيبًا

، قَطَعَهَا رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَمَعَهُ مَوْلَاهُ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ مَاشِيًا عَلَى الأَقْدَامِ ذَهَابًا ورُجُوعًا 

* وُصُولُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الطَّائِفِ  
فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الطَّائِفِ عَمَدَ إِلَى نَفَرٍ مِنْ ثَقِيفٍ، هُم
يَوْمَئِذٍ سَادَةُ ثَقِيفٍ وأَشْرَافُهُمْ، وهُمْ إِخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ يَالِيلَ بنُ عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ، ومَسْعُودُ بن عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ، وحَبِيبُ بنُ عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ ، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وكَلَّمَهُمْ بِمَا جَاءَهُمْ لَهُ مِنْ نُصْرَتِهِ عَلَى الإِسْلَامِ، والقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالفهُ مِنْ قَوْمِهِ

   فَقَال أحَدُهُمْ: هُوَ يَمْرُطُ أي يمزق ثِيَابَ الكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللَّهُ أرْسَلَكَ والمعني أنه لا يصدق النبي فيما يقوله 

وقَال الثَّانِي: أمَا وَجَدَ اللَّهُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرُكَ؟

وَقَالَ الثَّالِثُ: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا، لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنَ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ لَأَنْتَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ الكَلَامَ، ولَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُكَلِّمَكَ

 فَلَمَّا يَئِسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- منْهم، قَالَ لَهُمْ: "إِذَا فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنِّي"،أي لا تخبروا أحدا برفضكم دعوتي  فقد كَرِهَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَبْلُغَ قَوْمَهُ خَبَرَ قُدُومِهِ عَلَى الطَّائِفِ فَيَجْتَرِؤُا عَلَيْهِ وَتَزْدَادَ عَدَاوَتُهُمْ وَشَمَاتَتُهُمْ، ولَكِنَّ القَوْمَ لَمْ يَفْعَلُوا، وقَالُوا لَهُ: اخْرُجْ مِنْ بَلَدِنَا، وأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وعَبِيدَهُمْ، فَجَعَلُوا يَسُبُّونَهُ ويَصِيحُونَ بِهِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وقَعَدُوا لَهُ صَفَّيْنِ عَلَى طَرِيقِهِ، وأخَذُوا يلقونه بالحجارة حتى دميت قدماه وكَانَ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه- يَقِيهِ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَقَدْ أصَابَهُ شق في رَأْسِهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ السُّفَهَاءُ حَتَّى احتمى بحائط أي ببستان لِعُتْبَةَ وشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وهم من سادات قريش ، فَلَمَّا دَخَلَ الحَائِطَ رَجَعَ عَنْهُ مَنْ كَانَ يَتْبَعُهُ مِنْ سُفَهَاءَ ثَقِيفٍ، وعَمَدَ إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ مِنْ عِنَبٍ، فَجَلَسَ فِيهِ هُوَ وزَيْدُ بنُ حَارِثَةَ -رضي اللَّه عنه

فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الْحَائِطِ تَوَجَّهَ إِلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى بِهَذَا الدُّعَاءِ المَشْهُورِ الذي تفيض له الأعين بالدموع كلما قرأناه  فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-:

 "اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي (أي يَلْقَاني بالغِلْظَةِ والوجهِ الكَرِيهِ)؟ ! أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ ! إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وصَلَحَ عَلَيْهِ أمْرُ الدُّنْيَا والَآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ. لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"

 * قِصَّةُ عَدَّاسٍ

فَلَمَّا رَآهُ ابْنَا رَبِيعَةَ عُتْبَةُ وشَيْبَةُ، وَكَانَا في الحَائِطِ، وَرَأَيَا مَا لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ سُفَهَاءَ أَهْلِ الطَّائِفِ، تَحَرَّكَتْ لَهُ رَحِمُهُمَا وأخذتهما الرأفة به ، فَدَعَوْا غُلَامًا لَهُمَا نَصْرَانيًّا، يُقَالُ لَهُ: عَدَّاسٌ، فَقَالَا لَهُ: خُذْ قِطْفًا مِنْ هَذَا العِنَبِ فَضَعْهُ في هَذَا الطَّبَقِ، ثُمَّ اذْهَبْ بِهِ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقُلْ لَهُ يَأْكُلْ مِنْهُ، فَفَعَلَ عَدَّاسٌ، ثُمَّ أقْبَلَ بِهِ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُلْ، فَلَمَّا وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِيهِ يَدَهُ قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ" ثُمَّ أَكَلَ، فنَظَرَ عَدَّاسٌ في وَجْهِهِ مُسْتَغْرِبًا، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ إنَّ هَذَا الكَلَامَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ هَذِهِ البِلَادِ، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِنْ أَهْلِ أَيِّ البِلَادِ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ؟ وَمَا دِينُكَ؟ " 

قَالَ: نَصْرَانِيٌّ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى (بلد نبي الله يونس عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِنْ قَرْيَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بنِ مَتَّى؟ " فَقَالَ عَدَّاسٌ: وَمَا يُدْرِيكَ مَا يُونُسُ بنُ مَتَّى؟ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذَاكَ أَخِي كَانَ نَبِيًّا وَأَنَا نَبِيٌّ".

فَأَكَبَّ عَدَّاسٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقَبِّلُ رَأْسَهُ، ويَدَيْهِ، وَقَدَمَيْهِ، وأَسْلَمَ 

فَقَالَ ابْنَا رَبِيعَةَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَمَّا غُلَامُكَ فَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْكَ، فَلَمَّا جَاءَهُمَا عَدَّاسٌ، قَالَا لَهُ: وَيْلَكَ يَا عَدَّاسُ! مَالَكَ تُقَبِّلُ رَأْسَ هَذَا الرَّجُلِ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ؟
قَالَ: يَا سَيِّدِي! مَا فِي الأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِأَمْرٍ مَا يَعْلَمُهُ إِلَّا نَبِيٌّ، قَالَا 
لَهُ: وَيْحَكَ يَا عَدَّاسُ! لَا يَصْرِفَنَّكَ عَنْ دِينِكَ، فَإِنَّ دِينَكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ 

* رُجُوعُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى مَكَّةَ

ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ الطَّائِفِ، وهُوَ مَهْمُومٌ ومَحْزُونٌ، فَلَمْ يَسْتَفِقْ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَّا وَهُوَ بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: هَلَ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قال: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ (أي قريش) مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بنِ عَبْدِ كِلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي  , فَلَمْ أسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ (وهو مكان يبعد اليوم عن مكة 80 كيلو متر )، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أظَلَّتْنِي، فنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ(الأخْشَبَانِ: الجَبَلَانِ المُطِيفَانِ بمكةَ، وهما أبو قُبَيْسٍ والأحمر)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَلْ أَرْجُو  أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا" .

قُلْتُ: وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دَعْوَةَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي هَؤُلَاءِ  الكُفَّارِ،فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِ أَبِي طَالِبٍ، عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ -رضي اللَّه عنه-، وَجَعْفَرَ بنَ أَبِي طَالِبٍ-رضي اللَّه عنه
وأخْرَجَ مِنْ صُلْبِ أَبِي جَهْلٍ، عِكْرَمَةَ بنَ أَبِي جَهْلٍ -رضي اللَّه عنه-، وأخْرَجَ مِنْ صُلْبِ الوَليدِ بنِ المُغِيرَةِ، خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ -رضي اللَّه عنه-, وأخْرَجَ مِنْ صُلْبِ العَاصِ بنِ وَائِلٍ، عَمْرَو بنَ العَاصِ -رضي اللَّه عنه-، وأخْرَجَ مِنْ صُلْبِ المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ، جُبَيْرَ بنَ مُطْعِمٍ -رضي اللَّه عنه-، وغَيْرَهُمْ كَثِيرٌ الذِينَ خَرَجُوا مِنْ أصْلَابِ هَؤُلَاءِ الكُفَّارِ
صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله كم تحملت في سبيل الدعوة جزاك الله خير ما جازى نبيا عن أمته 



الأحد، 12 يونيو 2022

صور من إيذاء المشركين للنبي بعد وفاة عمه




صور من إيذاء المشركين للنبي بعد وفاة عمه 

بعد وفاة أبو طالب والسيدة خديجة توالت المصائب والأحزان على رسول الله  ونالت قريش منه من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابًا، ودخل بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه فاطمة فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها : ( لا تبكى يابنية، فإن الله مانع أباك )  ويقول بين ذلك : ( ما نالت منى قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب )  

يروي لنا عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ ويقول: سَأَلْتُ ابنَ عَمْرِو بنِ العَاصِ أخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَئٍ صَنَعَهُ المُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي في حِجْرِ الكَعْبَةِ، إِذْ أقْبَلَ عُقْبَةُ بنُ أَبِي مُعَيْط -لَعَنَهُ اللَّهُ- فَوَضَعَ ثَوْبَهُ في عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكبِهِ ودَفَعَهُ عَنِ النَبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَقَالَ: {أَتَقَتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِيَ اللَّهُ} 


وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وأَبُو جَهْلٍ وأصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، أيُّكُّمْ يَجِيءُ بِسَلَى  جَزُورِ "أي أحشاء بعير"  بَنِي فُلَانٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ، فَانْبَعَثَ أشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، وهُوَ عُقْبَةُ بنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فنَظَرَ حَتَّى إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أنْظُرُ لَا أُغْنِي  شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ "أي أحد يحميني"

 قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ، وَيُحِيلُ  بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ"أي يتمايلون من شدة الضحك"، ورَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ 

حَتَّى جَاءَتْهُ فاطِمَةُ  فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُم عَلَيْكَ  بِقُرَيْشٍ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ في ذَلِكَ البَلَدِ  مُسْتَجَابَةٌ. ثُمَّ سَمَّى -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وشَيْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، والوَليدِ بنِ عُتْبَةَ، وأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ"، قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: فَوَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَرْعَى في القَلِيبِ " قَلِيبِ بَدْرٍ" . يوم غزوة بدر 

ومِمَّا لَقِيَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ المُشْرِكِينَ أيضا يرويه لنا  أَبِو هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- فيقول: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟  " أي يسجد لربه أمامكم على التراب" فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ: واللَّاتِ وَالعُزَّى! لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَن عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ في التُّرَابِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه-: فَأتى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهُوَ يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ "يتراجع مسرعا" ويَتَّقِي بَيَدَيْهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَالَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا، وأجْنِحَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطفَتْهُ المَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا" ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: 

{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ  الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)سورة العلق}

ولم تزل قريش تؤذي رسول الله وأصحابه وهو صابر مقيم على دعوته لا ييأس من هدايتهم مشفقا عليهم من جهلهم وكفرهم ويدعو لهم"اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" 

صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله