تَسْمِيَةُ يَثْرِبَ بطَيْبَةَ، وَطَابَةَ وَالمَدِينَةَ
كَانَتِ المَدِينَةُ المُنَوَّرَةُ عَلَى سَاكِنِهَا -صلى اللَّه عليه وسلم- أفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ تُسَمَّى فِي الجَاهِلِيَّةِ يَثْرِبَ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَمَّاهَا المَدِينَةَ، وطَيْبَةَ وَطَابَةَ (واشتقاقهما من الشيء الطيِّب).
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّه تَعَالَى سَمَّى المَدِينَةَ طَابةَ" .
* فَضَائِلُ المَدِينَةِ المُنَوَّرةِ:
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ: وَقَدْ شَرُفَتِ المَدِينَةُ بِهِجْرَتِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَيْهَا، وصَارَتْ كَهْفًا لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، ومَعْقِلًا وَحِصْنًا مَنِيعًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَدَارَ هُدًى لِلْعَالَمِينَ .
أخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ الإيمَانَ لَيَأْرِزُ (يَأْرِزُ: بفتح أوله وسكون الهمزة وكسر الراء أي ينضم إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها.) إِلَى المَدِينهِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا" .
ويقول: كُلُّ مُؤْمِنٍ لَه مِنْ نَفْسِهِ سَائِقٌ إِلَى المَدِينَةِ، لِمَحَبَّتِهِ في النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَيَشْمَلُ ذَلِكَ جَمِيعَ الأزْمِنَةِ؛ لأَنَّهُ في زَمَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للتَّعَلُّمِ مِنْهُ، وفِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ وتَابِعِيهِمْ لِلِاقْتِدَاءِ بِهَدْيِهِمْ، وَمِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لِزِيَارَةِ مَسْجِدِهِ وَقَبْرِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-
وأخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ وابنُ حِبَانَ في صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَرَادَ أَهْلَ المَدِينَةِ بِسُوءٍ، أذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ المِلْحُ في المَاءَ".
وأخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ السَّائِبِ بنِ خَلَّادٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَخَافه اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلَيْهِ لَعْنةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا".
* تَمَنِّي عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- المَوْتَ في المَدِينَةِ:
رَوَى ابنُ حِبَّانَ في صَحِيحهِ والإِمَامُ أحمَدُ في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ، فَلْيَمُتْ بِالمَدِينَةِ فَإِنِّي أشْفَعُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا".
وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- يَدْعُو اللَّه تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَهُ المَوْتَ في المَدِينَةِ، فَقَدْ أخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عُمَرَ -رضي اللَّه عنه- أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً في سَبِيلِكَ، واجْعَلْ مَوْتِي في بَلَدِ رَسُولِكَ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وكَانَ سَبَبُ تَمَنِّي عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- الشَّهَادَةَ، هُوَ مَا أخْرَجَهُ ابنُ سَعْدٍ في طَبَقَاتِهِ، والإِمَامُ أَحْمَدُ في فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ -رضي اللَّه عنه- أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا في المَنَامِ: أَنَّ عُمَرَ -رضي اللَّه عنه- شَهِيدٌ مُسْتَشْهَدٌ.
فَقَصَّهَا عَلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه-، فَقَالَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: أَنَّى لِي بِالشَّهَادَةِ، وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَزِيرَةِ العَرَبِ لَسْتُ أَغْزُو، والنَّاسُ حَوْلي يَغْزُونَ، ثُمَّ قَالَ -رضي اللَّه عنه-: بَلَى يَأْتِي بِهَا اللَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْفَارُوقِ -رضي اللَّه عنه-، فَاسْتُشْهِدَ في مَسْجِدِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ يَؤُمُّ المُسْلِمِينَ في صَلَاةِ الفَجْرِ .
* * *