الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

أساليب قريش لمحاربة الدعوة


الحلقة 19


تناولنا في الحلقة السابقة ما فعلته قريش لتحارب دعوة الرسول في بداياتها وما قالوه عنه للحجاج حتي لا يسمعوا له ومع ذلك لاقت الدعوة القبول وبدأ الناس يدخلون واحد تلو الآخر ولكن هل توقفت قريش ؟!!!

لا بل زاد اضطهادهم للمسلمين
وبدأوا في تنفيذ أساليب جديدة للقضاء علي الدعوة

 لنكمل ونري ماذا حدث

أساليب شتى لمجابهة الدعوة
•:*¨`*:•.•:*¨`*:•.•:*¨`*:•.


1ـ السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب والتضحيك:
***


قصدوا بها تخذيل المسلمين، وتوهين قواهم المعنوية، فرموا النبي صلى الله عليه وسلم بتهم هازلة، وشتائم سفيهة، فكانوا ينادونه بالمجنون
{وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر:6]،

ويصفونه بالسحر والكذب {وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4]،

وكانوا يشيعونه ويستقبلونه بنظرات ملتهمة ناقمة، وعواطف منفعلة هائجة

{وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم:51]،


وكان إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه استهزأوا بهم وقالوا: هؤلاء جلساؤه

{مَنَّ الله ُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا} [الأنعام: 53]، قال تعالى: {أَلَيْسَ الله ُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام:53]،


وكانوا كما قص الله علينا {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين: 29: 33].


...ღ

وقد أكثروا من السخرية والاستهزاء وزادوا من الطعن والتضحيك شيئًا فشيئًا حتى أثر ذلك في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم،

كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} [الحجر:97]،

ثم ثبته الله وأمره بما يذهب بهذا الضيق فقال: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}
[الحجر:98، 99]،

وقد أخبره من قبل أنه يكفيه هؤلاء المستهزئين حيث

قال: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ الله ِ إِلـهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ} [الحجر: 95، 96]،

وأخبره أن فعلهم هذا سوف ينقلب وبالًا عليهم فقال:

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} [الأنعام:10].


*************

2ـ إثارة الشبهـــات وتكثيــف الدعـــايات الكاذبة:
***


وقد أكثروا من ذلك وتفننوا فيه بحيث لا يبقى لعامة الناس مجال للتدبر في دعوته والتفكير فيها، فكانوا يقولون عن القرآن:

{أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} [الأنبياء:5] يراها محمد بالليل ويتلوها بالنهار،

✿ ويقولون: {بَلِ افْتَرَاهُ} من عند نفسه ويقولون: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}


••
✿وقالوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: 4] أي اشترك هو وزملاؤه في اختلاقه.

{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان:5]

✿وأحيانا قالوا: إن له جنًا أو شيطانًا يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان.

قال تعالى ردًا عليهم: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء:221، 222]،

أي إنها تنزل على الكذاب الفاجر المتلطخ بالذنوب، وما جرّبتم علىّ كذبًا، وما وجدتم في فسقًا، فكيف تجعلون القرآن من تنزيل الشيطان؟


*****
*****


وأحيانًا قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه مصاب بنوع من الجنون، فهو يتخيل المعانى، ثم يصوغها في كلمات بديعة رائعة كما يصوغ الشعراء، فهو شاعر وكلامه شعر.

قال تعالى ردًا عليهم: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:225: 226]

فهذه ثلاث خصائص يتصف بها الشعراء ليست واحدة منها في النبي صلى الله عليه وسلم،

فالذين اتبعوه هداة مهتدون، ثم النبي صلى الله عليه وسلم لا يهيم في كل واد كما يهيم الشعراء، بل هو يدعو إلى رب واحد، ودين واحد، وصراط واحد، وهو لا يقول إلا ما يفعل، ولا يفعل إلا ما يقول، فأين هو من الشعر والشعراء؟ وأين الشعر والشعراء منه.

هكذا كان يرد عليهم بجواب مقنع حول كل شبهة كانوا يثيرونها ضد النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن والإسلام.


ومعظم شبهتهم كانت تدور حول التوحيد، ثم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بعث الأموات ونشرهم وحشرهم يوم القيامة، وقد رد القرآن على كل شبهة من شبهاتهم حول التوحيد،


أما شبهاتهم في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم مع اعترافهم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته وغاية صلاحه وتقواه، كانوا يعتقدون أن منصب النبوة والرسالة أجل وأعظم من أن يعطى لبشر، فالبشر لا يكون رسولًا، والرسول لا يكون بشرًا حسب عقيدتهم.

فلما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبوته، ودعا إلى الإيمان به تحيروا

وقالوا: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7]،

وقالوا: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم بشر،و {مَا أَنزَلَ الله ُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} [الأنعام: 19]،

فقال تعالى ردًا عليهم:{قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ}، وكانوا يعرفون ويعترفون بأن موسى بشر.

ورد عليهم أيضًا بأن كل قوم قالوا لرسلهم إنكارًا على رسالتهم

: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} [إبراهيم:10]،

فـ {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ الله َ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11]. فالأنبياء والرسل لا يكونون إلا بشرًا، ولا منافاة بين البشرية والرسالة.


وحيث إنهم كانوا يعترفون بأن إبراهيم و إسماعيل وموسى ـ عليهم السلام ـ كانوا رسلًا وكانوا بشرًا، فإنهم لم يجدوا مجالًا للإصرار على شبهتهم هذه،

فقالوا:ألم يجد الله لحمل رسالته إلا هذا اليتيم المسكين،ما كـان الله ليترك كـبار أهـل مكـة والطائف ويتخذ هذا المسكين رسولًا

{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31]،

قال تعالى ردًا عليهم:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} [الزخرف:32]، يعنى أن الوحى والرسالة رحمة من الله و  {الله ُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124].

✿وانتقلوا بعد ذلك إلى شبهة أخرى، قالوا: إن رسل ملوك الدنيا يمشون في موكب من الخدم والحشم، ويتمتعون بالأبهة والجلال، ويوفر لهم كل أسباب الحياة، فما بال محمد يدفع في الأسواق للقمة عيش وهو يدعى أنه رسول الله ؟

{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا} [الفرقان:7: 8]،

ورد على شبهتهم هذه بأن محمدًا رسول، يعنى أن مهمته هو إبلاغ رسالة الله إلى كل صغير وكبير، وضعيف وقوى، وشريف ووضيع، وحر وعبد، فلو لبث في الأبهة والجلال والخدم والحشم والحرس والمواكبين مثل رسل الملوك، لم يكن يصل إليه ضعفاء الناس وصغارهم حتى يستفيدوا به، وهم جمهور البشر، وإذن فاتت مصلحة الرسالة، ولم تعد لها فائدة تذكر.

أما إنكارهم البعث بعد الموت فلم يكن عندهم في ذلك إلا التعجب والاستغراب والاستبعاد العقلي،

✿فكانوا يقولون: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} [الصافات:16، 17]،وكانوا يقولون: {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق: 3]

وكانوا يقولون على سبيل الاستغراب: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرَى عَلَى الله ِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 7، 8].

وقال قائلهم:
أَموْتٌ ثم بَعْثٌ ثم حَشْرٌ ** حدِيثُ خُرَافة يا أم عمرو

✿وقد رد عليهم بتبصيرهم ما يجرى في الدنيا، فالـظالم يموت دون أن يلقى جزاء ظلمه، والمظلوم يموت دون أن يأخذ حقه من ظالمه، والمحسن الصالح يموت قبل أن يلقى جزاء إحسانه وصلاحه، والفاجر المسىء يموت قبل أن يعاقب على سوء عمله، فإن لم يكن بعث ولا حياة ولا جزاء بعد الموت لاستوى الفريقان، بل لكان الظالم والفاجر أسعد من المظلوم والصالح، وهذا غير معقول إطلاقا. ولا يتصور من الله أن يبني نظام خلقه على مثل هذا الفساد.

قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35، 36]،

وقال: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [ص: 28]،

وقال: {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21].


وأما الإستبعاد العقلى فقال تعالى ردًا عليه: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا} [النازعات:27]،

وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ الله َ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف: 33]،

وقال: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ} [الواقعة:62]، وبين ما هو معروف عقلًا وعرفًا، وهو أن الإعادة {أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27]،

وقال: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [الأنبياء:104]، وقال: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} [ق: 15].

وهكذا رد على كل ما أثاروا من الشبهات ردًا مفحمًا يقنع كل ذى عقل ولب، ولكنهم كانوا مشاغبين مستكبرين يريدون عُلوا في الأرض وفرض رأيهم على الخلق، فبقوا في طغيانهم يعمهون

...ღ

انظروا ماذا 
تحمل حبيبنا ♥محمد ♥من الإهانات والسخرية والتكذيب مما لا يطيقه بشر صلي الله عليه وسلم

الاثنين، 22 أكتوبر 2012

تخطيط قريش لمواجهة دعوة رسول الله

الحلقة 18


تعرفنا في الحلقة السابقة علي أول لقاء بين رسول الله وبين قبائل قريش يدعوهم فيها إلي الإيمان بالله والتوحيد وذلك عندما نزل أمر الله تعالي بالجهر بالدعوة وقلنا ان الدعوة بدأت تنتشر وتنال مزيدا من القبول ودخل الناس في الدين واحدا بعد واحد لكن هل سكتت قريش لنري الآن معا ردة فعلهم علي ما يحدث في مكة

...ღ

المجلس الاستشاري لكف الحجاج عن استماع الدعوة
•:*¨`*:•.•:*¨`*:•.•:*¨`*:•.•:*​¨`*:•.•:*¨`*:•.


خلال هذه الأيام أهَمّ قريشًا أمر آخر،وذلك أن الجهر بالدعوة لم يمض عليه إلا أيام أو أشهر معدودة حتى قرب موسم الحج، وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم،


فرأت أنه لابد من كلمة يقولونها للعرب، في شأن محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون لدعوته أثر في نفوس العرب،
فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة يتداولون في تلك الكلمة،

فقال لهم الوليد: أجمعوا فيه رأيـًا واحدًا،ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، ويرد قولكم بعضه بعضًا،


قالوا: فأنت فقل، وأقم لنا رأيًا نقول به.
قال: بل أنتم فقولوا أسمع.
قالوا: نقول: كاهن.
قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزَمْزَمَة الكاهن ولا سجعه.
قالوا: فنقول: مجنون،
قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، ما هو بخَنْقِه ولا تَخَالُجِه ولا وسوسته.
قالوا: فنقول: شاعر.
قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رَجَزَه وهَزَجَه وقَرِيضَه ومَقْبُوضه ومَبْسُوطه، فما هو بالشعر،
قالوا: فنقول: ساحر.
قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنَفْثِهِم ولا عقْدِهِم.

قالوا: فما نقول؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، [وإن عليه لطلاوة] وإن أصله لعَذَق، وإن فَرْعَه لجَنَاة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عرف أنه باطل،

وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر. جاء بقول هو سحر، يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك.



وتفيد بعض الروايات أن الوليد لما رد عليهم كل ما عرضوا له، قالوا: أرنا رأيك الذي لا غضاضة فيه، فقال لهم: أمهلونى حتى أفكر في ذلك، فظل الوليد يفكر ويفكر حتى أبدى لهم رأيه الذي ذكر آنفًا.

وفي الوليد أنزل الله تعالى ست عشرة آية من سورة المدثر

{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَفَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِسَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [من 11 إلى 26]

وفي خلالها صور كيفية تفكيره، فقال: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:18: 25]


...ღ


وبعد أن اتفق المجلس على هذا القرار أخذوا في تنفيذه، فجلسوا بسبل الناس حين قدموا للموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره.

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يتبع الناس في منازلهم وفي عُكَاظ ومَجَنَّة وذى المَجَاز، يدعوهم إلى الله ، وأبو لهب وراءه يقول: لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب.


ومع كل هذا علمت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها.







الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

الجهر بالدعوة

الحلقة 17

مرت ثلاثة أعوام، والدعوة لم تزل مقصورة على الأفراد، ولم يجهر بها النبي صلى الله عليه وسلم في المجامع والنوادى،إلا أنها عرفت لدى قريش، وفشا ذكر الإسلام بمكة، وتحدث به الناس، وقد تنكر له بعضهم أحيانًا، واعتدوا على بعض المؤمنين، إلا أنهم لم يهتموا به كثيرًا حيث لم يتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لدينهم، ولم يتكلم في آلهتهم.
::


أنهينا المرحلة الاولي وهي الدعوة سرا ..

المرحلـة الثانية: الدعــوة جهــارًا
♥•:*¨`*:•.•:*¨`*:•.•:*¨`*:•.

أول أمـر بإظهار الدعـوة
♥•:*¨`*:•.•:*¨`*:•.



لما تكونت جماعة من المؤمنين تقوم على الأخوة والتعاون، وتتحمل عبء تبليغ الرسالة وتمكينها من مقامها نزل الوحى يكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة، ومجابهة الباطل بالحسنى.

وأول ما نزل بهذا الصدد قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]،

وقد ورد في سياق ذكرت فيه أولًا قصة موسى عليه السلام، من بداية نبوته إلى هجرته مع بني إسرائيل، وقصة نجاتهم من فرعون وقومه، وإغراق آل فرعون معه، وقد اشتملت هذه القصة على جميع المراحل التي مر بها موسى عليه السلام، خلال دعوة فرعون وقومه إلى الله .

وكأن هذا التفصيل جىء به مع أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بجهر الدعوة إلى الله ؛ ليكون أمامه وأمام أصحابه مثال لما سيلقونه من التكذيب والاضطهاد حينما يجهرون بالدعوة، وليكونوا على بصيرة من أمرهم منذ البداية.

ومن ناحية أخرى تشتمل هذه السورة على ذكر مآل المكذبين للرسل، من قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة ـ عدا ما ذكر من أمر فرعون وقومه ـ ليعلم الذين سيقومون بالتكذيب عاقبة أمرهم وما سيلقونه من مؤاخذة الله إن استمروا عليه، وليعرف المؤمنون أن حسن العاقبة لهم وليس للمكذبين.


الدعـوة فــي الأقربين
•:*¨`*:•.•:*¨`*:•.

ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيرته بني هاشم بعد نزول هذه الآية، فجاءوا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا نحو خمسة وأربعين رجلًا.

فلما أراد أن يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بادره أبو لهب وقال: هؤلاء عمومتك وبنو عمك فتكلم، ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأنا أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك، وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش، وتمدهم العرب، فما رأيت أحدًا جاء على بني أبيه بشر مما جئت به،

فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتكلم في ذلك المجلس.

ثم دعاهم ثانية وقال: (الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له). ثم قال:

(إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو، إنى رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا).

...ღ
فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقًا لحديثك. وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به. فوالله ، لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسى لا تطاوعنى على فراق دين عبد المطلب.
فقال أبو لهب: هذه والله السوأة، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم، فقال أبو طالب: والله لنمنعه ما بقينا.

...ღ


 أول مواجهه للنبي صلي الله عليه وسلم مع قريش 
♥•:*¨`*:•.•:*¨`*:•.•:*¨`*:•.♥•:*¨`*:•.•:*¨`*:•

عـلى جــبل الصـفا
•:*¨`*:•.•:*¨`*:•.

بعد تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه، صعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا، فعلا أعلاها حجرًا، ثم هتف:

(يا صباحاه)

وكانت كلمة إنذار تخبر عن هجوم جيش أو وقوع أمر عظيم.

ثم جعل ينادى بطون قريش، ويدعوهم قبائل قبائل:

(يا بني فهر، يا بني عدى، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب).

...ღ
فلما سمعوا قالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد. فأسرع الناس إليه، حتى إن الرجل إذا لم يستطع أن يخرج إليه أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش.

فلما اجتمعوا قال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادى بسَفْح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مُصَدِّقِىَّ؟).

قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبًا، ما جربنا عليك إلا صدقًا.

قال: (إنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد، إنما مثلى ومثلكم كمثل رجل رأي العَدُوّ فانطلق يَرْبَأ أهله)( أي يتطلع وينظر لهم من مكان مرتفع لئلا يدهمهم العدو) (خشى أن يسبقوه فجعل ينادى: يا صباحاه)

ثم دعاهم إلى الحق، وأنذرهم من عذاب الله ، فخص وعم فقال:

(يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله ، أنقذوا أنفسكم من النار، فإنى لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنكم من الله شيئًا.

يا بني كعب بن لؤى، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا.

يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار.

يا معشر بني قصى، أنقذوا أنفسكم من النار، فإنى لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا.
يا معشر بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، فإنى لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنكم من الله شيئًا.

يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار.
يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار.

يا معشر بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، فإنى لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنكم من الله شيئًا، سلونى من مالى ماشئتم، لا أملك لكم من الله شيئًا.

يا عباس بن عبد المطلب، لا أغنى عنك من الله شيئًا.
يا صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ، لا أغنى عنك من الله شيئًا.

يا فاطمة بنت محمد رسول الله ، سلينى ما شئت من مالى، أنقذى نفسك من النار، فإنى لا أملك لك ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنك من الله شيئًا.

غير أن لكم رحمًا سأبُلُّها بِبلاَلها) أي أصلها حسب حقها.


...ღ

ولما تم هذا الإنذار انفض الناس وتفرقوا، ولا يذكر عنهم أي ردة فعل، سوى أن أبا لهب واجه النبي صلى الله عليه وسلم بالسوء،

وقال: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [سورة المسد:1].



كانت هذه الصيحـة العالية هي غاية البلاغ، فقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلات بينه وبينهم، وأن عصبة القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار الآتى من عند الله .

ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94]،

...ღ
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالدعوة إلى الإسلام في مجامع المشركين ونواديهم، يتلو عليهم كتاب الله ، ويقول لهم ما قالته الرسل لأقوامهم: {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ الله َ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59]،

وبدء يعبد الله تعالى أمام أعينهم، فكان يصلى بفناء الكعبة نهارًا جهارًا وعلى رءوس الأشهاد.

وقد نالت دعوته مزيدًا من القبول، ودخل الناس في دين الله واحدًا بعد واحد. وحصل بينهم وبين من لم يسلم من أهل بيتهم تباغض وتباعد وعناد واشمأزت قريش من كل ذلك، وساءهم ما كانوا يبصرون.